كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 9)
وَهَذَا الْخَبَرُ مُخَالِفٌ لِلْخَبَرِ الْمُتَقَدِّمِ، وَإِنْ كَانَ مُوَافِقًا لِلْآيَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَتَرَتَّبُ هَذَانِ الْخَبَرَانِ مَعَ الْآيَةِ، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنْ يَنْسَخَ الْقُرْآنَ السُّنَةُ فَلِأَصْحَابِنَا عَنْ ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ مَا جَاءَتْ بِهِ الْآيَةُ، وَالْخَبَرُ مِنْ إِبَاحَةِ الضَّرْبِ فَوَارِدٌ فِي النُّشُوزِ وَمَا وَرَدَ بِهِ الْخَبَرُ الْآخَرُ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الضَّرْبِ فَفِي غَيْرِ النُّشُوزِ، فَأَبَاحَ الضَّرْبَ مَعَ وُجُودِ سَبَبِهِ، وَنَهَى عَنْهُ مَعَ ارْتِفَاعِ سَبَبِهِ، وَهَذَا مُتَّفِقٌ لَا يُعَارِضُ بَعْضُهُ بَعْضًا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ أَبَاحَ الضَّرْبَ جَوَازًا وَنَهَى عَنْهُ اخْتِيَارًا فَيَكُونُ الضَّرْبُ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا بِالْإِذْنِ فِيهِ، فَتَرْكُهُ أَوْلَى لِلنَّهْيِ عَنْهُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مُتَنَافِيًا وَلَا نَاسِخًا وَمَنْسُوخًا.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ خَبَرَ النَّهْيِ عَنِ الضَّرْبِ مَنْسُوخٌ بِخَبَرِ عُمَرَ الْوَارِدِ بِإِبَاحَتِهِ ثُمَّ جَاءَتِ الْآيَةُ مُبَيِّنَةً لِسَبَبِ الْإِبَاحَةِ فَكَانَتِ السُّنَّةُ نَاسِخَةً لِلسُّنَّةِ، والكتاب مبيناً لم ينسخ الكتاب السنة، والله أعلم.
الصفحة 600