كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 10)

لَوْ دَفَعَتْ إِلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ دِرْهَمٍ فِيهَا مِنَ الْفِضَّةِ أَلْفُ دِرْهَمٍ طُلِّقَتْ لِوُجُودِ الْفِضَّةِ وَزِيَادَةِ الْغِشِّ، وَلَهُ بَدَلُهَا إِنْ شَاءَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا إِنْ دَفَعَتْ إِلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ نَقْرَةً فِضَّةً يَنْبَغِي عَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ أَنْ تُطَلَّقَ.
قِيلَ: لَا تُطَلَّقُ بِالْفِضَّةِ النَّقْرَةِ وَإِنْ طُلِّقَتْ بِالْفِضَّةِ فِي الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ، لِأَنَّ النَّقْرَةَ لَا يَنْطَلِقُ اسَمُ الدَّرَاهِمِ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِضَّةً، وَالدَّرَاهِمَ الْمَغْشُوشَةَ يَنْطَلِقُ اسْمُ الدَّرَاهِمِ عَلَيْهَا إِذَا كَانَ فِيهَا فِضَّةٌ فَافْتَرَقَا في الحكم لافتراقهما في الاسم.

(مسألة:)
قال الشافعي: (وَلَوْ قَالَ مَتَى أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَذَلِكَ لَهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ أَخْذِهَا وَلَا لَهَا إِذَا أَعْطَتْهُ أَنْ تَرْجِعَ فِيهَا) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا قَالَ لَهَا مَتَى أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، أَوْ مَتَى مَا أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَهُمَا سَوَاءٌ، لِأَنَّ مَا حَرْفُ صِلَةٍ تَدْخُلُ فِي الْكَلَامِ لِلتَّأْكِيدِ لَا يُفِيدُ نَفْيًا وَلَا إِثْبَاتًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} [آل عمران: 159] . أَيْ فَبِرَحْمَةٍ مِنَ الله، وإذا كان كذلك فأي وقت أعطيته الْأَلْفَ طُلِّقَتْ عَلَى الْفَوْرِ أَوْ عَلَى التَّرَاخِي، لِأَنَّ مَتَى حَرْفٌ وُضِعَ لِلتَّرَاخِي فِي الْأَوْقَاتِ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: أَيُّ وَقْتٍ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا، أَوْ فِي أَيِّ زَمَانٍ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي مَتَى أَعْطَتْهُ الْأَلْفَ طُلِّقَتْ، لَا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، وَلَا بِالْفَوْرِ دُونَ التَّرَاخِي، لِأَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْحُرُوفِ يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ فَعَمَّتْ جَمِيعَ الْأَزْمَانِ. فَإِنْ قِيلَ: أَفَلَيْسَ لَوْ قَالَ إِنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا أَوْ قَالَ: إِذَا أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا أَنْتِ طَالِقٌ أَنَّهُ يَكُونُ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِنِ اخْتَلَفَ حُكْمُ إِنْ وإذا فِي الشَّرْطِ، لِأَنَّ اقْتِرَانَ الْعِوَضِ بِهِمَا سَوَّى بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا فِي الْفَوْرِ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْعِوَضِ الْمُسْتَحَقِّ قَبُولُهُ عَلَى الْفَوْرِ فَهَلَّا كَانَ قَوْلُهُ مَتَى أَعْطَيْتِنِي أَلْفًا يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْفَوْرِ، وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعًا لِلتَّرَاخِي تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْعِوَضِ.
قيل: الفرق بينهما أن إذا وإن مِنْ حُرُوفِ الشَّرْطِ الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ، وَ (مَتَى) مِنْ حُرُوفِ الزَّمَانِ الَّتِي تَعُمُّ جَمِيعَهَا حَقِيقَةً وَالْعِوَضُ مُخْتَصٌّ بِالْفَوْرِ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ، لَا مِنْ طَرِيقِ الْحَقِيقَةِ فَإِذَا اقْتَرَنَ بِحَرْفِ الشَّرْطِ حُمِلَ عَلَى مُقْتَضَاهُ مِنَ الْفَوْرِ، وَإِنْ كَانَ بِالِاسْتِدْلَالِ، لِأَنَّهُ لَمْ تُعَارِضْهُ مَا يُنَافِيهِ، وَإِذَا اقْتَرَنَ بِحَرْفِ الزَّمَانِ الْمُوجِبِ لِلتَّرَاخِي حُمِلَ عَلَى التَّرَاخِي، لِأَنَّ مَا أَوْجَبَ التَّرَاخِيَ مِنْ طَرِيقِ الْحَقِيقَةِ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ، وَمَا أَوْجَبَ الْفَوْرَ مِنْ طَرِيقِ الِاسْتِدْلَالِ مُحْتَمَلٌ، كَمَا تَقُولُ فِي الْقِيَاسِ إِنَّهُ يُخَصُّ بِالْعُمُومِ، لِأَنَّهُ مُحْتَمَلٌ وَلَا يَخُصُّ النَّصَّ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُحْتَمَلٍ، فَإِذَا دَخَلَ عَلَى (مَتَى)

الصفحة 45