كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 10)

وَالثَّالِثُ: أَنْ تَضْمَنَ عَلَى الْفَوْرِ، وَتُطَلِّقَ نَفْسَهَا عَلَى التَّرَاخِي، فَلَا طَلَاقَ لِتَرَاخِي إِيقَاعِهِ وَيَسْقُطُ الضَّمَانُ بَعْدَ صِحَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ طَلَاقٍ لَمْ يَقَعْ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا عَلَى الْفَوْرِ، وَتَضْمَنَ عَلَى التَّرَاخِي فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ لِفَسَادِ الضَّمَانِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: تَرَاخِي زَمَانِهِ.
وَالثَّانِي: تَأْخِيرُهُ عَنِ الطَّلَاقِ، وَفَسَادُ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ فِي الطَّلَاقِ يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِهِ.

(فَصْلٌ:)
فأما الشافعي فإنه ذكر ها هُنَا أَنَّهَا إِذَا ضَمِنَتِ الْأَلْفَ فِي وَقْتِ الْخِيَارِ لَزِمَهَا الطَّلَاقُ، وَلَمْ يَذْكُرْ تَطْلِيقَ نَفْسِهَا وَإِنْ كَانَ شَرْطًا فِي وُقُوعِهِ وَلِأَصْحَابِنَا فِيهِ تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ سَقَطَ عَنِ الْكَاتِبِ فِي نَقْلِهِ، وَقَدْ ذَكَرَهُ الرَّبِيعُ فِي كِتَابِ الْأُمِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَصَدَ بَيَانَ حُكْمِ الضَّمَانِ أَنْ يُتَعَجَّلَ عَلَى الْفَوْرِ وَأَغْفَلَ ذِكْرَ الطَّلَاقِ إِمَّا اكْتِفَاءً بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ شَرْطِهِ، وَإِمَّا اسْتِغْنَاءً بما قدمه من بيانه.

(مسألة:)
قال الشافعي: (وَلَوْ قَالَ إِنْ أَعْطَيْتِنِي عَبْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَأَعْطَتْهُ أَيَّ عَبْدٍ مَا كَانَ فَهِيَ طَالِقٌ وَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدَ وَإِنَّمَا يَقَعُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِمَا يَقَعُ بِهِ الْحِنْثُ (قَالَ الْمُزَنِيُّ) رحمه الله ليس هذا قياس قوله لأن هذا في معنى العوض وقد قال في هذا الباب متى أو متى أعطيتني ألف درهم فَأَنْتِ طَالِقٌ فَذَلِكَ لَهَا وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يمتنع من أخذها ولا لها أن ترجع إن أعطته فيها والعبد والدرهم عندي سواء غير أن العبد مجهول فيكون له عليها مثلها) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي رَجُلٍ قَالَ لِزَوْجَتِهِ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي عَبْدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُعَيِّنَ الْعَبْدَ فَيَقُولَ: إِنْ أَعْطَيْتِنِي عَبْدَكِ هَذَا، فَإِنْ أَعْطَتْهُ غَيْرَ ذَلِكَ الْعَبْدِ، لَمْ تُطَلَّقْ، وَإِنْ أَعْطَتْهُ ذَلِكَ الْعَبْدَ طُلِّقَتْ بِهِ، وَمَلَكَهُ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ بِالتَّعْيِينِ مَعْلُومًا فَصَحَّ أَنْ يَكُونَ عِوَضًا، فَإِنْ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا كَانَ لِأَجْلِهِ بِالْخِيَارِ فَإِنْ رَدَّهُ لَمْ يَرْتَفِعِ الطَّلَاقُ لِوُقُوعِهِ بِوُجُودِ صِفَتِهِ، وَبِمَاذَا يَرْجِعُ عَلَيْهَا فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْقَدِيمُ بِقِيمَتِهِ أَنْ لَوْ كَانَ سَلِيمًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْجَدِيدُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أن لا يُعَيِّنَ الْعَبْدَ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَصِفَهُ فَتَكُونَ صِفَاتُهُ شَرْطًا فِي وُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهِ فَإِنْ أَعْطَتْهُ عَبْدًا عَلَى غَيْرِ تِلْكَ الصِّفَاتِ لَمْ تُطَلَّقْ، وَإِنْ أَعْطَتْهُ عَبْدًا عَلَى تِلْكَ الصِّفَاتِ طُلِّقَتْ بِهِ.

الصفحة 59