كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 13)

فَقَالَ لَهُ: أَرِنِيهِ، فَأَرَاهُ فَمَحَاهُ بِإِصْبَعِهِ.
فَرَجَعَ بَعْضُهُمْ وَبَقِيَ مِنْهُمْ نَحْوُ أَرْبَعَةِ آلَافٍ لَمْ يَرْجِعُوا، فَعَادَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: سِيرُوا عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهِمْ، فَلَنْ يُفْلِتَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ، وَلَنْ يُقْتَلَ مِنْكُمْ عَشَرَةٌ، فَسَارُوا مَعَهُ إِلَيْهِمْ فَقَتَلَهُمْ، وَأَفْلَتَ مِنْهُمْ ثَمَانِيَةٌ، وَقُتِلَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيٍّ تِسْعَةٌ، وَقَالَ: اطْلُبُوا لِي ذَا الثَّدِيَّةِ.
فَرَأَوْهُ قَتِيلًا بَيْنَهُمْ، فَكَبَّرَ عَلِيٌّ وَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَ وَعْدَ رَسُولِهِ إِذْ قَالَ لِي: تُقَاتِلُكَ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ فِيهِمْ ذُو الثَّدِيَّةِ. فَهَذِهِ سِيرَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِيهِمْ.
وَقَدْ حُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَخَذَ الْمُسْلِمُونَ السِّيرَةَ فِي قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَأَخَذُوا السِّيرَةَ فِي قِتَالِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَأَخَذُوا السِّيرَةَ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ مِنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ يُقَدِّمُ قَبْلَ قِتَالِهِمْ سُؤَالَهَمْ عَنْ سَبَبِ بَغْيِهِمْ وَاعْتِزَالِهِمْ عَنِ الْجَمَاعَةِ، ثُمَّ مُنَاظَرَتَهُمْ فِي حَلِّ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ، فَمَتَى أَمَلَ رُجُوعَهُمْ إِلَى الطَّاعَةِ وَدُخُولَهُمْ فِي الْجَمَاعَةِ بِالْقَوْلِ وَالْمُنَاظَرَةِ لَمْ يَتَجَاوَزْهُ إِلَى الْقِتَالِ، وَإِنْ يَئِسَ مِنْ رُجُوعِهِمْ بَعْدَ كَشْفِ مَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ، جَازَ لِإِمَامِ أَهْلِ الْعَدْلِ حِينَئِذٍ قِتَالُهُمْ وَمُحَارَبَتُهُمْ، وَانْقَسَمَتْ أَحْوَالُهُمْ فِي قِتَالِهِمْ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: مَا كَانَ قِتَالُهُمْ عَلَيْهِ وَاجِبًا.
وَالثَّانِي: مَا كَانَ قِتَالُهُمْ عَلَيْهِ مُبَاحًا.
وَالثَّالِثُ: مَا اخْتَلَفَ الْقَوْلُ فِي وُجُوبِهِ وَإِبَاحَتِهِ.
فَأَمَّا مَا وَجَبَ قِتَالُهُمْ عَلَيْهِ: فَهُوَ بِوَاحِدٍ مِنْ خَمْسَةِ أُمُورٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَتَعَرَّضُوا لِحَرِيمِ أَهْلِ الْعَدْلِ بِإِفْسَادِ سَبِيلِهِمْ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَتَعَطَّلَ جِهَادُ الْمُشْرِكِينَ بِهِمْ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ حُقُوقِ بَيْتِ الْمَالِ مَا لَيْسَ لَهُمْ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَمْتَنِعُوا مِنْ دَفْعِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِمْ.
وَالْخَامِسُ: أَنْ يَتَظَاهَرُوا عَلَى خَلْعِ الْإِمَامِ الَّذِي قَدِ انْعَقَدَتْ بَيْعَتُهُ وَلَزِمَتْ طَاعَتُهُ.

الصفحة 104