كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 13)

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَثِقَ بِمَا شَرَطَهُ عَلَيْهِمْ أَنْ لَا يَتْبَعُوا مُدْبِرًا وَلَا يُجْهِزُوا عَلَى جَرِيحٍ، فَإِنْ لَمْ يَثِقْ بِوَفَائِهِمْ لَمْ يَجُزْ.

(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا بَأْسَ إِذَا كَانَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرُ أَنْ يُسْتَعَانَ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ وَذَلِكَ أَنَّهُ تَحِلُّ دِمَاؤُهُمْ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهُوَ كَمَا قَالَ يَجُوزُ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَعِينَ بِالْمُشْرِكِينَ عَلَى قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اسْتَعَانَ فِي بَعْضِ حُرُوبِهِ بِيَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَاسْتَعَارَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ عَامَ الْفَتْحِ سَبْعِينَ دِرْعًا.
وَشَهِدَ مَعَهُ حُنَيْنًا وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ، وَسَمِعَ أَبَا سُفْيَانَ يَقُولُ: غَلَبَتْ هَوَازِنُ وَقُتِلَ مُحَمَّدٌ.
فَقَالَ لَهُ: بِفِيكَ الْحَجَرُ، وَاللَّهِ لَرَبّ مِنْ قُرَيْشٍ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَبٍّ مِنْ هَوَازِنَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ) . قِيلَ: إِنَّمَا بَرِئَ مِنْ مَعُونَةِ الْمُسْلِمِ لِمُشْرِكٍ وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ مَعُونَةِ الْمُشْرِكِ لِمُسْلِمٍ.
وَقد رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا تَسْتَضِيئُوا بِنَارِ أَهْلِ الشِّرْكِ) . وَمَعْنَاهُ: لَا تَرْجِعُوا إِلَى آرَائِهِمْ.
فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الِاسْتِعَانَةِ بِهِمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَإِنْ لَمْ يَجُزِ الِاسْتِعَانَةُ بِهِمْ عَلَى أَهْلِ الْبَغْيِ فَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ بِثَلَاثَةِ شُرُوطٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ نِيَّاتُهُمْ فِي الْمُسْلِمِينَ جَمِيلَةً.
وَالثَّانِي: أَنْ يُعْلَمَ مِنْ حَالِهِمْ أَنَّهُمْ إِنِ انْضَمُّوا إِلَى الْمُشْرِكِينَ لَمْ يَضْعُفِ الْمُسْلِمُونَ عَنْ جَمِيعِهِمْ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يُؤْمَنَ غدرهم وتخزيلهم.
فإذا استكلمت فِيهِمْ هَذِهِ الشُّرُوطُ اسْتَعَانَ بِهِمْ.

الصفحة 130