كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 13)

قِيلَ لَهُ: تُبْ وَصَلِّ، فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّيهَا غَيْرُكَ.
فَإِنْ تَابَ وَصَلَّى عَادَ إِلَى حَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ وَلَمْ يَصُلِّ فَهُوَ الَّذِي اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِهِ عَلَى مَا بَيَّنَاهُ.
وَمَذْهَبُنَا فِيهِ: وُجُوبُ قَتْلِهِ حَدًّا مَعَ بَقَائِهِ عَلَى إِسْلَامِهِ، وَيَكُونُ مَالُهُ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي صِفَةِ قَتْلِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ إِنَّهُ يُقْتَلُ ضَرْبًا بِالسَّيْفِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ، وَطَائِفَةٍ - إنَّهُ يُضْرَبُ بِمَا لَا يُوجي مِنَ الْخَشَبِ، وَيُسْتَدَامُ ضَرْبُهُ حَتَّى يَمُوتَ.

(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَنْ قَتَلَ مُرْتَدًّا قَبْلَ أَنْ يُسْتَتَابَ أَوْ جَرَحَهُ فَأَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ مِنَ الْجُرْحِ فَلَا قَوَدَ وَلَا دِيَةَ وَيُعَزَّرُ الْقَاتِلُ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لِقَتْلِهِ بَعْدَ اسْتِتَابَتِهِ الْحَاكِمُ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ، أَنَّ الْمُرْتَدَّ يَخْتَصُّ الْإِمَامُ بِقَتْلِهِ دُونَ غَيْرِهِ، لِأَنَّ قَتْلَهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي تَنْفَرِدُ الْأَئِمَّةُ بِإِقَامَتِهَا كَالْحُدُودِ.
فَإِنْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْإِمَامِ لَمْ يَضْمَنْهُ الْقَاتِلُ وَعُزِّرَ.
لِأَنَّ الرِّدَّةَ قَدْ أَبَاحَتْ دَمَهُ، فَصَارَ قَتْلُهُ هَدْرًا كَالْحَرْبِيِّ إِذَا قَتَلَهُ مُسْلِمٌ لَمْ يَضْمَنْهُ لِإِبَاحَةِ دَمِهِ، لكن يعذر قَاتِلُ الْمُرْتَدِّ وَلَا يُعَزَّرُ قَاتِلُ الْحَرْبِيِّ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا:
إِنَّ قَتْلَ الْمُرْتَدِّ حَدٌّ يَتَوَلَّاهُ الْإِمَامُ فعزر المفتات علي.
وَقَتْلُ الْحَرْبِيِّ جِهَادٌ يَسْتَوِي الْكَافَّةُ فِيهِ، فَلَمْ يُعَزَّرِ الْمُنْفَرِدُ بِقَتْلِهِ.
فَأَمَّا إِذَا جُرِحَ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ الْمَجْرُوحُ وَسَرَى الْجُرْحُ إِلَى نَفْسِهِ فِي الْإِسْلَامِ فَمَاتَ مِنْهُ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: إنَّ دَمَهُ هَدَرٌ لَا يُضْمَنُ، لِأَنَّهَا عَنْ جِنَايَةٍ فِي الرِّدَّةِ غَيْرِ مَضْمُونَةٍ، فَكَانَ مَا حَدَثَ بَعْدَهَا غَيْرُ مَضْمُونٍ كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ.
قَالَ الرَّبِيعُ: وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ: إنَّهُ ضَامِنٌ لِنِصْفِ ديته.

الصفحة 167