كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 13)

(باب عدد الأيمان)
(مسألة)
قال الشافعي رضي الله عنه: " يَحْلِفُ وَارِثُ الْقَتِيلِ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا تَغْلِيظُ الْأَيْمَانِ فِي الْقَسَامَةِ بِالْعَدَدِ لِضَعْفِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهَا وَهُوَ اللَّوْثُ فَقَوِيَتِ الدَّعْوَى لِضَعْفِ سَبَبِهَا بِتَغْلِيظِ الْأَيْمَانِ فِيهَا.
وَأَمَّا تَقْدِيرُ الْأَيْمَانِ فِيهَا بِخَمْسِينَ يَمِينًا فَلِسُنَّةِ رَسُولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْوَارِدَةِ بِهَا وَقَوْلِهِ لِلْأَنْصَارِ: " تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ! قَالُوا: لَا. قَالَ: فَيُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِخَمْسِينَ يَمِينًا) . وَإِذَا تَغَلَّظَتْ بِهَذَا الْعَدَدِ لَمْ يُقْسِمْ بِهَا مِنْ أَهْلِ الْمَقْتُولِ إِلَّا الْوَرَثَةُ مِنْهُمْ، لِأَنَّ الْيَمِينَ مَوْضُوعَةٌ لِاسْتِحْقَاقِ الدِّيَةِ فَلَمْ يَحْلِفْ بِهَا إِلَّا مُسْتَحِقِّهُا. وَهُمُ الْوَرَثَةُ. وَوَرَثَةُ الدِّيَةِ، هُمْ وَرَثَةُ الْأَمْوَالِ مِنَ الْعَصَبَاتِ وَذَوِي الْفُرُوضِ مِنَ الرِّجَالِ، وَالنِّسَاءِ، وَالْأَزْوَاجِ، وَالزَّوْجَاتِ، وَقَدْ خَالَفَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فِي وَرَثَةِ الدِّيَةِ خِلَافًا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْفَرَائِضِ.
وَلَا فَرْقَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، بَيْنَ مِيرَاثِ الدِّيَةِ وَمِيرَاثِ الْمَالِ وَأَنَّ كُلَّ مَنْ وَرِثَ الْمَالَ وَرِثَ الدِّيَةَ وَالْقَوَدَ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُ الْوَارِثِ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَاحِدًا، أَوْ عَدَدًا، فَإِنْ كَانَ وَاحِدًا، حَلَفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَإِنْ كَانُوا عَدَدًا فَفِيمَا يُقْسِمُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَوْلَانِ ذَكَرْنَاهُمَا مِنْ قَبْلُ -.
أَحَدُهُمَا: يُقْسِمُ كُلُّ وَاحِدٍ خَمْسِينَ يَمِينًا، لِأَنَّ الْعَدَدَ فِي الْقَسَامَةِ كَالْيَمِينِ الْوَاحِدَةِ فِي غَيْرِ الْقَسَامَةِ فَلَمَّا تَسَاوَوْا فِي غَيْرِ الْقَسَامَةِ وَجَبَ أَنْ يَتَسَاوَوْا فِي الْقَسَامَةِ، فَعَلَى هَذَا يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ ذُكُورِهِمْ وَإِنَاثِهِمْ، وَمَنْ قَلَّ سَهْمُهُ وَكَثُرَ خَمْسِينَ يَمِينًا.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الْأَصَحُّ - إِنَّ الْأَيْمَانَ تُقَسَّطُ بَيْنَهُمْ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ بِجَبْرِ كَسْرِهَا لِيَحْلِفَ جَمِيعُهُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا، لِأَنَّ أَيْمَانَهُمْ فِي الْقَسَامَةِ حُجَّةٌ لَهُمْ، كَالْبَيِّنَةِ فَجَازَ أَنْ يَشْتَرِكُوا فِيهَا، كَاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْبَيِّنَةِ، فَعَلَى هَذَا إِنْ لَمْ تَكُنْ فَرَائِضُ الْوَرَثَةِ عَائِلَةً قُسِّمَتْ عَلَى فَرَائِضِهِمْ، فَإِنْ كَانُوا ابْنَيْنِ وَبِنْتًا، حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الِابْنَيْنِ عِشْرِينَ يَمِينًا، وَحَلَفَتِ الْبِنْتُ عَشَرَةَ أَيْمَانٍ، وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا فِيمَا اخْتَلَفَتْ فَرَائِضُهُمْ فِيهِ فَإِنْ كَانَتْ

الصفحة 39