كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 13)

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - شَرِبَ فِي طَوَافِهِ مِنَ السِّقَايَةِ نَبِيذًا فَمِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَلَمْ يُتَابِعْهُ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ سُفْيَانَ، وقد سئل سفيان عن المذر فَقَالَ: ذَلِكَ شَرَابُ الْفَاسِقِينَ.
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " يَسْتَحِلُّ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا) .
وَالثَّانِي: أَنَّ نَبِيذَ السِّقَايَةِ كَانَ غَيْرَ مُسْكِرٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُصْنَعُ لِلْحُجَّاجِ إِذَا صَدَرُوا مِنْ مِنًى لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ، لِيَسْتَطِيبُوا به شرب ماء زمزم وكان ثقيلاً، لا يستسقى أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ مُسْكِرٍ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَطَّبَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حين شربه فدعى بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ نبيذاً مشتداً قيل الجواب يجوز أن يكون قد قطب لحموضته وصب عليه الماء لغلظته.
وأما الجواب الثالث: أن نبيذ السقاية كان نقع الزَّبِيبِ، غَيْرَ مَطْبُوخٍ، وَهُوَ إِذَا أَسْكَرَ حَرُمَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَلَمْ يَصِحَّ لَهُ حَمْلُهُ عليه وبطل اسْتِدْلَالُهُ بِهِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: كان ينبذ لَهُ إِلَى ثَلَاثٍ فَيَشْرَبُهُ ثُمَّ يَسْقِيهِ الْخَدَمَ ثم يهراق هو أَنَّهُ كَانَ يَشْرَبُهُ وَيَسْقِيهِ الْخَدَمَ إِذَا لِمَ يَشْتَدَّ ثُمَّ يُهْرَاقُ إِذَا اشْتَدَّ؛ لِأَنَّ النَّبِيذَ لَا يَشْتَدُّ لِثَلَاثٍ حَتَّى تَطُولَ مُدَّتُهُ وَلِذَلِكَ كان يأمر بإراقة ما نش.
كذلك الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أباح النبيذ مَعَ ضَعْفِهِ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.
وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ أَنَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " أَنْبِذُوهُ عَلَى عَشَائِكُمْ وَاشْرَبُوهُ عَلَى غَدَائِكُمْ) .
وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: " اشْرَبُوا وَلَا تَسْكَرُوا) فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ تَفَرَّدَ به أبو الأحوص، ووهن فِيهِ، وَقَدْ رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ " اشْرَبُوا وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا) .
وَالثَّانِي: أَنَّ السُّكْرَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الشَّارِبِ، فَيَتَوَجَّهُ النَّهْيُ إِلَيْهِ، فَلَمْ يَجُزْ حمله عليه، وأما الجواب عن حديث عمر " إذا اغتلصت عَلَيْكُمْ فَاقْطَعُوا مُتُونَهَا بِالْمَاءِ) فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أنه ضعيف؛ لأن رواية عبد الملك ابن أَخِي الْقَعْقَاعِ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

الصفحة 403