كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 13)

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ - إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنْ يَرْمِيَ حَائِطًا بِسَهْمٍ أَوْ حَجَرٍ فَيَعُودُ السَّهْمُ أَوِ الْحَجَرُ عَلَى رَجُلٍ فَيَقْتُلُهُ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ شَرْطًا فِي قَتْلِ الْخَطَأِ دُونَ الْعَمْدِ.
الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ يَقُولَ وَلَا وَصَلَ إِلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ وَقَدْ فَسَّرَ الشَّافِعِيُّ مَا مَعْنَاهُ: أَنْ يَرْمِيَ حَجَرًا فَيُصِيبَ حَجَرًا فَيَنْقَطِعَ الثَّانِي فَيَقَعَ عَلَى ذَلِكَ فَيَقْتُلَهُ وَهَذَا شَرْطٌ فِي الْخَطَأِ دُونَ الْعَمْدِ.
الشَّرْطُ السَّادِسُ: أَنْ يَقُولَ وَلَا أَحْدَثَ شَيْئًا مَاتَ مِنْهُ وَقَدْ فَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ بِحَفْرِ الْبِئْرِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ فَيَلْزَمُهُ ضَمَانُ مَنْ مَاتَ مِنْهُ وَهَذَا شَرْطٌ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ دُونَ الْعَمْدِ، فَتَكُونُ هَذِهِ الشُّرُوطُ السِّتَّةُ. يَلْزَمُ مِنْهَا فِي قَتْلِ الْعَمْدِ مَا اخْتَصَّ بِهِ وَفِي قَتْلِ الْخَطَأِ مَا اخْتَصَّ بِهِ وَهِيَ غَايَةُ الشُّرُوطِ الَّتِي يُحْتَاطُ بِهَا فِي الْأَيْمَانِ، فَإِنْ قِيلَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إِذَا أَنْكَرَ مُوَافِقَةً لِدَعْوَى الْمُدَّعِي إِذَا فَسَّرَ فَلَمْ يَحْتَجْ فِي يَمِينِ إِنْكَارِهِ إِلَى زِيَادَةٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُدَّعِي فِي تَفْسِيرِهِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَلِكَ فِي الدَّعْوَى الْمُطْلَقَةِ دُونَ الْمُفَسَّرَةِ وَهُوَ لَا يَرَى سَمَاعَهَا إِلَّا مُفَسَّرَةً فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: إِنَّ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ السَّمَاعِ لِلدَّعْوَى مُطَلَقَةً غَيْرَ مُفَسَّرَةٍ وَجَعَلُوا ذَلِكَ قَوْلًا ثَانِيًا لِلشَّافِعِيِّ فَخَرَّجُوا سَمَاعَ الدَّعْوَى مُطْلَقَةً فِي الدَّمِ عَلَى قَوْلَيْنِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ فِي الْقَسَامَةِ إِلَّا مُفَسَّرَةً لِاحْتِيَاجِ الْمُدَّعِي إِلَى الْحَلِفِ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا أَخْرَجُوهُ فِيمَا عَدَا الْقَسَامَةِ وَلَوْ فُسِّرَتِ الدَّعْوَى لَمَا تَجَاوَزَ الْمُدَّعِي بِيَمِينِهِ مَا تَضَمَّنَتْهُ الدَّعْوَى.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّ الشَّافِعِيَّ شَرَطَ ذَلِكَ فِي الدَّعْوَى الْمُفَسَّرَةِ فِي الدِّمَاءِ خَاصَّةً، لِأَنَّ دَعْوَى الدَّمِ حَقُّ الْمَقْتُولِ فَإِنِ انْتَقَلَ إِلَى دَلِيلٍ اسْتَظْهَرَ الزَّائِدَ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَلِيُّهُ. وَهُوَ لَا يَرَى سَمَاعَهَا مُطْلَقَةً وَشَرَطَ فِي الْيَمِينِ الزِّيَادَةَ عَلَى مَا تَضَمَّنَتْهُ الدَّعْوَى عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَلِيُّهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: إِنَّهُ شَرَطَ ذَلِكَ فِي حَقِّ طِفْلٍ أَوْ غَائِبٍ إِذَا ادَّعَى لَهُ الْقَتْلَ وَلِيٌّ أَوْ وَكِيلٌ فَيَلْزَمُ الْحَاكِمَ أَنْ يَسْتَظْهِرَ فِي الْيَمِينِ لَهُ عَلَى مَا ادَّعَاهُ وَلِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ، وَلَوْ كَانَتِ الدَّعْوَى لِحَاضِرٍ جَائِزِ الْأَمْرِ لَمْ يَسْتَظْهِرْ لَهُ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ. كَالْبَيِّنَةِ إِذَا قَامَتْ بَدَيْنٍ عَلَى طِفْلٍ أَوْ غَائِبٍ. اسْتَظْهَرَ الْحَاكِمُ بِإِحْلَافِ صَاحِبِ الدَّيْنِ أَنَّهُ مَا قَبَضَهُ وَلَا شَيْئًا مِنْهُ، وَلَوْ قَامَتْ عَلَى حَاضِرٍ جَائِزِ الْأَمْرِ لَمْ يَحْلِفْ صَاحِبُ الدَّيْنِ عَلَى ذَلِكَ إِلَى أن يدعيه الحاضر.

(مسألة)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ لَمْ يَزِدْهُ السُّلْطَانُ عَلَى حَلِفِهِ بِاللَّهِ أَجْزَأَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ الأيمان بالله) .

الصفحة 54