كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 13)

(باب كفارة القتل)
(مسألة)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: 92] ) . قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذِهِ الْآيَةُ هِيَ الْأَصْلُ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ لِلْمَقْتُولِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهِ عَلَى الْقَاتِلِ، وَجُمْلَةُ الْقَتْلِ تَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ: وَاجِبٌ، مُبَاحٌ، وَمَحْظُورٌ يَأْثَمُ بِهِ. وَمَحْظُورٌ لَا يَأْثَمُ بِهِ، فَأَمَّا الْوَاجِبُ: فَالْقَتْلُ بِالرِّدَّةِ وَالزِّنَا وَالْحِرَابَةِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ.
وَأَمَّا الْمُبَاحُ فَالْقِصَاصُ، وَدَفْعُ الطَّالِبِ لِنَفْسٍ أَوْ مَالٍ وَهُوَ فِي حُكْمِ الْوَاجِبِ فِي سُقُوطِ الدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ.
وَأَمَّا الْمَحْظُورُ الَّذِي يَأْثَمُ بِهِ، فَهُوَ قَتْلُ الْعَمْدِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ أَرْبَعَةُ أَحْكَامٍ الْقِصَاصُ مَعَ التَّكَافُؤِ وَالدِّيَةُ عِنْدَ الْعَفْوِ، وَالْكَفَّارَةُ عَنِ الْقَتْلِ، وَالْوَعِيدُ فِي الْمَأْثَمِ.
وَأَمَّا الْمَحْظُورُ الَّذِي لَا يَأْثَمُ بِهِ: فَهُوَ قَتْلُ الْخَطَأِ وَيَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمَانِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَقَدْ تَضَمَّنَتْهُمَا الْآيَةُ وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقِصَاصُ وَالْمَأْثَمُ فَيَصِيرُ مُوَافِقًا لِلْعَمْدِ فِي حُكْمَيْنِ، وَمُخَالِفًا لَهُ فِي حُكْمَيْنِ وَإِذَا كَانَتْ أَقْسَامُ الْقَتْلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَالْكَفَّارَةُ فِيهِ وَاجِبَةٌ عَنْ كل قتل لمضمون في كل قتيل مَضْمُونٍ عَلَى كُلِّ قَاتِلٍ ضَامِنٍ.

(فَصْلٌ)
فَأَمَّا الْقَتْلُ الْمَضْمُونُ فَعَمْدٌ وَخَطَأٌ - فَالْعَمْدُ يَأْتِي فِي خِلَافٍ نَذْكُرُهُ وَالْخَطَأُ مُتَّفَقٌ عَلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِيهِ بِنَصِّ الْكِتَابِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَسَوَاءٌ كَانَ قَتْلُ الْخَطَأِ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ بِسَبَبٍ، وَالْمُبَاشَرَةُ: أَنْ يَرْمِيَ هَدَفًا فَيُصِيبَ إِنْسَانًا فَيَقْتُلَهُ، وَالسَّبَبُ: أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا فِي أَرْضٍ لَا يَمْلِكُهَا فَيَقَعَ فِيهَا إِنْسَانٌ فَيَمُوتَ أَوْ يَضَعَ حَجَرًا فِي طَرِيقِ سَائِرٍ فَيَعْثُرَ بِهِ إِنْسَانٌ فَيَمُوتَ أَوْ يَرُشَّ مَاءً فِي الطَّرِيقِ فَيَزْلِقَ بِهِ فَيَمُوتَ إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ مِمَّا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ التَّالِفَةِ فَيَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ.
وَقَالَ: أَبُو حَنِيفَةَ تَجِبُ فِي قَتْلِ الْمُبَاشَرَةِ الدِّيَةُ مِعِ الْكَفَّارَةِ وَتَجِبُ فِي قَتْلِ السَّبَبِ الدِّيَةُ دُونَ الْكَفَّارَةِ اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ كُلَّ مَنْ ضَمِنَ نَفْسًا عَنْ غَيْرِ مُبَاشَرَةٍ لَمْ تَجِبْ عليه

الصفحة 62