كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 13)

(بَابُ الْحُكْمِ فِي السَّاحِرِ إِذَا قَتَلَ بِسِحْرِهِ)
أَصْلُ مَا جَاءَ فِي السِّحْرِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ. .} [البقرة: 102] الْآيَةَ. وَنَحْنُ نَذْكُرُ مَا قَالَهُ الْمُفَسِّرُونَ فِيهَا وَمَا احْتَمَلَهُ تَأْوِيلُ مَعَانِيهَا لِيَكُونَ حُكْمُ السِّحْرِ مَحْمُولًا عَلَيْهَا.
أَمَّا قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلوا الشياطين} فيه وجهان:
أحدها: ما تدعي.
والثاني: ما تقرأ وفيما تتلوه وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: السِّحْرُ.
وَالثَّانِي: الْكَذِبُ عَلَى سُلَيْمَانَ وفي الشياطين هاهنا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُمْ شَيَاطِينُ الْجِنِّ وَهُوَ الْمُطْلَقُ مِنْ هَذَا الِاسْمِ.
وَالثَّانِي: إِنَّهُمْ شَيَاطِينُ الْإِنْسِ الْمُتَمَرِّدُونَ فِي الضَّلَالِ، وَمِنْهُ قَوْلُ جَرِيرٍ:
(" أَيَّامَ يدعونني الشيطان من غزلى ... وكن يهونني إذا كُنْتُ شَيْطَانَا))

وَفِي قَوْله تَعَالَى عَلَى مُلْكِ سليمان وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَعْنِي فِي مُلْكِ سُلَيْمَانَ لَمَّا كَانَ مَلِكًا حَيًّا وَتَكُونُ عَلَى بِمَعْنَى فِي.
وَالثَّانِي: عَلَى كُرْسِيِّ سُلَيْمَانَ، بَعْدَ وَفَاتِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ آلَاتِ مُلْكِهِ وَيَكُونُ عَلَى مُسْتَعْمَلًا عَلَى حَقِيقَتِهِ وَفِي قَوْلِهِ: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ ولكن الشياطين كفروا} وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَعْنِي وَمَا سَحَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ سَحَرُوا فَعَبَّرَ عَنِ السِّحْرِ بِالْكُفْرِ، لِأَنَّهُ يؤول إليه.

الصفحة 89