كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 13)

(قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ)

(بَابُ مَنْ يَجِبُ قِتَالُهُ من أهل البغي والسيرة فيهم)
(مسألة)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9] ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: هَذِهِ الْآيَةُ هِيَ أَصْلُ مَا وَرَدَ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ، وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا حَكَاهُ السُّدِّيُّ: أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ كَانَتْ لَهُ امْرَأَةٌ تُدْعَى أَمَّ زَيْدٍ أَرَادَتْ زِيَارَةَ أَهْلِهَا فَمَنَعَهَا زَوْجُهَا، فَاقْتَتَلَ أَهْلُهُ وَأَهْلُهَا، حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِمْ.
وَالثَّانِي: مَا حَكَاهُ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي رَهْطِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولٍ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَرَهْطِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ مِنَ الْأَوْسِ.
وَسَبَبُهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَفَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولٍ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ لَهُ، فَرَاثَ الْحِمَارُ، فَأَمْسَكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولٍ أَنْفَهُ وَقَالَ: إِلَيْكَ حِمَارَكَ، فَغَضِبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ وَقَالَ: لَحِمَارُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَطْيَبُ رِيحًا مِنْكَ وَمِنْ أَبِيكَ، وَتَنَافَرُوا وَأَعَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَوْمَهُ، فَاقْتَتَلُوا بِالنِّعَالِ وَالْأَيْدِي، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِمْ، وَأَصْلَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَيْنَهُمْ.
فَقَالَ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فأصلحوا بينهما} [الحجرات: 9] .
يعني: جميعن مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَخْرَجَهُمُ التَّنَافُرُ إِلَى الْقِتَالِ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا، وَهَذَا خِطِابٌ نُدِبَ إِلَيْهِ كُلُّ مَنْ قَدَرَ عَلَى الْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمْ مِنَ الْوُلَاةِ وَغَيْرِ الْوُلَاةِ، وَإِنْ كَانَ بِالْوُلَاةِ أَخَصَّ. {فَإِنْ بَغَتْ إحداهما على الأخرى} وَالْبَغْيُ: التَّعَدِّي بِالْقُوَّةِ إِلَى طَلَبِ مَا لَيْسَ بمستحق.

الصفحة 99