كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 14)

وَقَالَ آخَرُونَ: أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَكَانَتْ هَذِهِ البيعة على حرب الأحمر والأسود والبيعة الأولة، بَيْعَةُ النِّسَاءِ عَلَى غَيْرِ حَرْبٍ، وَعَادُوا إِلَى الْمَدِينَةِ عَلَى هَذَا

(فَصْلٌ)
: وَلَمَّا عَادَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْ بَيْعَةِ الْأَنْصَارِ فِي الْعَقَبَةِ إِلَى مَكَّةَ، وَذَلِكَ فِي ذِي الْحِجَّةِ عَادَتِ الْفِتْنَةُ أَشَدَّ مِمَّا كَانَتْ فِي فِتْنَةِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْحَبَشَةِ، وَاشْتَدَّ الْأَذَى بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِأَصْحَابِهِ: " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ لَكُمْ إِخْوَانًا وَدَارًا تَأْمَنُونَ فِيهَا " فَخَرَجُوا أَرْسَالًا، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهَا بَعْدَ بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيُّ، وَبَعْدَهُ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ، ثُمَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ أَرْسَالًا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مُقِيمٌ بِمَكَّةَ يَنْتَظِرُ إِذْنَ رَبِّهِ، وَاسْتَأْذَنَهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الْهِجْرَةِ فَاسْتَوْقَفَهُ
وَأُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ بَيْنَ بَيْعَتَيِ الْأَنْصَارِ فِي الْعَقَبَةِ
قَالَ الزُّهْرِيُّ قَبْلَ هِجْرَتِهِ بِسَنَةٍ فَأَصْبَحَ وَقَصَّ ذَلِكَ عَلَى قُرَيْشٍ وَذَكَرَ لَهُمْ حَدِيثَ الْمِعْرَاجِ فَازْدَادَ الْمُشْرِكُونَ تَكْذِيبًا وَأَسْرَعُوا إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَالُوا لَهُ: إِنَّ صَاحِبَكَ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَعَادَ مِنْ لَيْلَتِهِ، فَقَالَ: إِنْ قَالَ ذَلِكَ فَهُوَ صَادِقٌ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ الصِّدِّيقُ وَوَصَفَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا رَأَى فِي طَرِيقِهِ فَكَانَ عَلَى مَا وَصَفَهُ
وَاخْتُلِفَ فِي إِسْرَائِهِ هَلْ كَانَ بِجِسْمِهِ، أَوْ بِرُوحِهِ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أُسْرِيَ بِجِسْمِهِ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ: أُسْرِيَ بِرُوحِهِ وَمَا زَالَ جِسْمُهُ عِنْدِي، وَلَمَّا صَارَتِ الْمَدِينَةُ دَارَ هِجْرَةٍ وَصَارَ مَنْ بِهَا مِنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ أَنْصَارًا امْتَنَعَتْ قُرَيْشٌ أَنْ يَنْصُرُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عليهم فاجتمعوا في دار الندوة ليتشاوروا فِي أَمْرِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَسُمِّيَ ذَلِكَ الْيَوْمُ لِكَثْرَةِ زِحَامِهِمْ فِيهِ يَوْمُ " الزَّحْمَةِ " فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: احْبِسُوهُ فِي الْحَدِيدِ وَأَغْلِقُوا عَلَيْهِ بَابًا، وَتَرَبَّصُوا بِهِ
وَقَالَ آخَرُ: أَخْرِجُوهُ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِكُمْ، وَلَا عَلَيْكُمْ مَا أَصَابَهُ بَعْدَكُمْ
وَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: لَسْتُ أَرَى مَا ذَكَرْتُمْ رَأْيَ كَرِيمٍ، وَلَكِنْ أَرَى أَنْ تَأْخُذُوا مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ فَتًى شَابًّا، نَسِيبًا ويجتمعون عليه بأسيافهم، فيضربوه ضربة رجل واحد، فيقتلوه وَيَتَفَرَّقُ دَمُهُ فِي قَبَائِلِهِمْ فَلَا يَقْدِرُ بَنُو عَبْدِ مَنَافٍ عَلَى حَرْبِ جَمِيعِهِمْ، وَيَرْضَوْا بِالْعَقْلِ فَنَعْقِلُهُ لَهُمْ فَأَجْمَعُوا عَلَى هَذَا الرَّأْيِ، وَتَفَرَّقُوا عَنْهُ لِيُثْبِتُوهُ مِنْ لَيْلَتِهِ، وَتَفَرَّقُوا لِيَجْتَمِعُوا عَلَى قَتْلِهِ فَنَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ، وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30] فَعَلِمَ رَسُولُ

الصفحة 21