كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 14)

(باب تبديل أهل الذمة دينهم)
(مسألة)
: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " أَصْلُ مَا أَبْنِي عَلَيْهِ أَنَّ الْجِزْيَةَ لَا تُقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ دَانَ دِينَ كِتَابِيٍّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ آبَاؤُهُ دَانُوا بِهِ قَبْلَ نُزُولِ الْفُرْقَانِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى، وَذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ مِنَ الْكُفَّارِ يَنْقَسِمُونَ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ:
قِسْمٌ هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَتُقْبَلُ جِزْيَتُهُمْ، وَتَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَذَبَائِحُهُمْ.
وَقِسْمٌ لَا كِتَابَ لَهُمْ وَلَا شُبْهَةَ كِتَابٍ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ فَلَا تُقْبَلُ جِزْيَتُهُمْ وَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ.
وَقِسْمٌ لَهُمْ شُبْهَةُ كِتَابٍ، فَهَؤُلَاءِ تُقْبَلُ جِزْيَتُهُمْ، وَلَا تَحِلُّ مُنَاكَحَتُهُمْ، وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُهُمْ تَغْلِيبًا لِحُكْمِ التَّحْرِيمِ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ كَمَالُ الْحُرْمَةِ فِيهِمْ لِأَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَهَؤُلَاءِ ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: بَنُو إِسْرَائِيلَ، وَإِسْرَائِيلُ هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ مُوسَى فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالتَّوْرَاةِ، فَآمَنَ بِهِ جَمِيعُهُمْ، وَدَعَا غَيْرَهُمْ، فَآمَنَ بَعْضُهُمْ، وَدَخَلَ بَعْدَهُ فِي دِينِهِ قَوْمٌ ثُمَّ بَدَّلُوا دِينَهُمْ حَتَّى عَدَلُوا عَنِ الْحَقِّ فِيهِ، وَسُمِّيَ مَنْ دَخْلَ فِي دِينِهِ الْيَهُودَ، فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ بِالْإِنْجِيلِ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ وَغَيْرِهِمْ، فَآمَنَ بِهِ بَعْضُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْيَهُودِ، وَآمَنَ بِهِ طَوَائِفُ مِنْ غَيْرِهِمْ، ثُمَّ بَدَّلُوا دِينَهُمْ حَتَّى عَدَلُوا عن الحق فيه، وسمي من دخل في دِينِهِ النَّصَارَى، فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالْقُرْآنِ، وَجَعَلَهُ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وعلى جميع الأنبياء المرسلين، فَدَعَا جَمِيعَ الْخَلْقِ بَعْدَ ابْتِدَائِهِ بِقُرَيْشٍ؛ لِأَنَّهُمْ قَوْمُهُ، ثُمَّ بِالْعَرَبِ، ثُمَّ بِمَنْ عَدَاهُمْ، فَآمَنَ بِهِ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ كَافَّةِ الْخَلْقِ، فَصَارَتْ شَرِيعَةُ الْإِسْلَامِ نَاسِخَةً لِكُلِّ شَرِيعَةٍ تَقَدَّمَتْهَا فَلَمْ يَخْتَلِفْ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ بَعْدَ نَسْخِ جَمِيعِ الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِالْإِسْلَامِ أَنَّ

الصفحة 373