كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 14)

فَإِنْ كَانَ مِنْ مَحْظُورَاتِ دِينِهِمِ الْمُنْكَرَةِ وَجَبَ عَلَى حَاكِمِنَا أَنْ يُعَدِّيَهَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ دَارَ الْإِسْلَامِ تَمْنَعُ مِنْ إِقْرَارِ مَا يُتَّفَقُ عَلَى إِنْكَارِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ مُبَاحَاتِ دِينِهِمْ، فَفِي وُجُوبِ إِعْدَائِهَا عَلَيْهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ يَجُوزُ، وَلَا يَجِبُ.
وَالثَّانِي: إِنَّهُ يَجِبُ، وَهُوَ عَلَى اخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ فِي جَرَيَانِ أَحْكَامِنَا عَلَيْهِمْ.
فَإِنْ أَعْدَاهَا عَلَيْهِ وُجُوبًا أَوْ جَوَازًا لَمْ يَحْكُمْ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِمَا يُوجِبُهُ دِينُ الْإِسْلَامِ، وَلَا يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا بِأَحْكَامِهِمْ فِي دِينِهِمْ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تعالى: {و؟ أن احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة 42] .
فَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ لَمْ تَجُزْ لَهُ الرَّجْعَةُ فِي الْعِدَّةِ إذا كان أقل من ثلاثة،
وحرمها عَلَيْهِ بَعْدَ الثَّلَاثِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَإِنْ كَانَ فِي إِيلَاءٍ أَصِلُهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ثُمَّ أُلْزِمُهُ الْفَيْءَ أَوِ الطَّلَاقَ،
وَإِنْ كَانَ في ظهار حرمها عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَوْدِ حَتَّى يُكَفِّرَ بِعِتْقِ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَصُومَ فِيهَا حَتَّى يُسْلِمَ، وَفِي جَوَازِ إِطْعَامِهِ فِيهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إِطْعَامٌ.
وَالثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنِ الصِّيَامِ.
وَإِنْ كَانَ فِي عَقْدِ نِكَاحٍ رَاعَاهُ، فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ أُبْطِلُ نِكَاحَهَا، وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ لَمْ يَكْشِفْ عَنْهُ عَقْدُ النِّكَاحِ، وَحُكِمَ بَيْنَهُمَا بِإِمْضَاءِ الزَّوْجِيَّةِ، كَمَا يُقَرُّونَ عَلَيْهِ إِذَا أَسْلَمُوا.
وَإِنْ كَانَ فِي مَهْرٍ تَقَابَضَاهُ. أَمْضَاهُ حَلَالًا كَانَ أَوْ حَرَامًا، وَإِنْ لم يتقابضا لَمْ يُحْكَمْ بِقَبْضِهِ، وَلَا بِقِيمَتِهِ وَحُكِمَ لَهَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَحْكَامِ، وَكَذَلِكَ فِي استعداء غير الزوجين.

(مسألة)
: قال الشافعي رحمه الله تعالى " وَمَنْ أَرَاقَ لَهُمْ خَمْرًا أَوْ قَتَلَ لَهُمْ خِنْزِيرًا لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ وَلَا ثمن لمحرم فإن قيل فأنت تُقِرُّهُمْ عَلَى ذَلِكَ قِيلَ نَعَمْ وَعَلَى الشِّرْكِ بِاللَّهِ وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فَهُوَ حَرَامٌ لَا ثَمَنَ لَهُ وَإِنِ اسْتَحَلُّوهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ " الْغَصْبِ " وَذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ أَرَاقَ عَلَى ذِمِّيٍّ خَمْرًا، أَوْ قَتَلَ لَهُ خِنْزِيرًا لَمْ يَضْمَنْ سَوَاءٌ كَانَ مُتْلِفُهُ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْلِمًا.
وَأَوْجَبَ أَبُو حَنِيفَةَ ضَمَانَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ مَعَهُ، وَأَنَّ

الصفحة 388