كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 15)

وَفِي تَفْرِيقِ لَحْمِهِ وَجْهَانِ، حَكَاهُمَا الْإِسْفَرَايِينِيُّ أَصَحُّهُمَا فِي الْحَرَمِ اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَلَى خِيَارِهِ فِي تَفْرِيقِهِ فِي الْحَرَمِ وَغَيْرِهِ اعْتِبَارًا بِالْإِطْلَاقِ.

(فَصْلٌ:)
وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يُعَيِّنَ نَحْرَهُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ كَأَنَّهُ عَيَّنَ نَحْرَهُ بِالْبَصْرَةِ فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ أيضاً:
أحدهما: أَنْ يَنْذِرَ نَحْرَهُ بِالْبَصْرَةِ، وَتَفْرِيقَ لَحْمِهِ بِالْبَصْرَةِ، فَقَدْ لَزِمَهُ بِالنَّذْرِ تَفْرِيقُ لَحْمِهِ بِالْبَصْرَةِ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُ لِمَسَاكِينِهَا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُفَرِّقَهُ فِي غَيْرِهِمْ، وَفِي وُجُوبِ نَحْرِهِ بِالْبَصْرَةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ، أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرَهُ بِالْبَصْرَةِ، وَيَصِيرُ النَّحْرُ بِهَا لَازِمًا بِالنَّذْرِ، كَمَا لَوْ نَذَرَ نَحْرَهُ بِالْحَرَمِ، فَإِنْ نَحْرَهُ بِغَيْرِ الْبَصْرَةِ ضَمِنَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَلْزَمُهُ نَحْرُهُ بِالْبَصْرَةِ، وَيُسْتَحَبُّ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ دَخَلَ فِي نَذْرِهِ فَلَيْسَ لِلنَّحْرِ بِالْبَصْرَةِ قُرْبَةٌ، لَا تُوجَدُ بِغَيْرِهَا، وَلِلنَّحْرِ بِمَكَّةَ قُرْبَةٌ لَا تُوجَدُ فِي غَيْرِهَا؛ لِاخْتِصَاصِهَا بِنَحْرِ الْهَدَايَا؛ فَلِذَلِكَ تَعَيَّنَ النَّحْرُ فِي الْحَرَمِ، وَلَمْ يَتَعَيَّنْ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَنْذِرَ نَحْرَهُ بِالْبَصْرَةِ وَتَفْرِيقَ لَحْمِهِ فِي غَيْرِ الْبَصْرَةِ، فَلَا يَلْزِمُهُ نَحْرُهُ بِالْبَصْرَةِ، إِذَا كَانَ تَفْرِيقُ لَحْمِهِ مُسْتَحَقًّا فِي غَيْرِهَا، لِأَنَّهُ لَا فَضْلَ لِنَحْرِهِ فِيهَا عَلَى نَحْرِهِ فِي غَيْرِهَا، بِخِلَافِ نَحْرِهِ فِي الْحَرَمِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ، وَلَا يَلْزَمُهُ نَحْرُهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ فِيهِ تَفْرِيقَهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مستقر فِي نَذْرِهِ، وَلَهُ نَحْرُهُ حَيْثُ شَاءَ وَإِنْ كَانَتِ الْبَصْرَةُ لِأَجْلِ التَّسْمِيَةِ أَوْلَى، وَإِذَا وَصَلَ لَحْمُهُ طَرِيًّا إِلَى مُسْتَحَقِّهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ ينذره نَحْرَهُ بِالْبَصْرَةِ، وَيُطْلِقَ تَفْرِقَةَ لَحْمِهِ، فَلَا يَجْعَلُهُ لِمَسَاكِينِ الْبَصْرَةِ وَلَا لِغَيْرِهِمْ. فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: يَلْزَمُهُ نَحْرُهُ بِالْبَصْرَةِ، وَتَفْرِقَةُ لَحْمِهِ بِالْبَصْرَةِ، اعْتِبَارًا بِالنَّذْرِ وَالْعُرْفِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَلْزَمُهُ نَحْرُهُ بِالْبَصْرَةِ، وَيَجُوزُ تَفْرِقَةُ لَحْمِهِ فِي غَيْرِ الْبَصْرَةِ، اعْتِبَارًا بِالنَّذْرِ دُونَ الْعُرْفِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: يَلْزَمُهُ تَفْرِقَةُ لَحْمِهِ بِالْبَصْرَةِ، وَيَجُوزُ لَهُ نَحْرُهُ فِي غَيْرِ الْبَصْرَةِ، اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ دُونَ النَّذْرِ، لِأَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِي تَعْيِينِهَا بِالنَّذْرِ.
(فَصْلٌ:)
وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ يُطْلِقَ مَحَلَّ نَحْرِهِ، فَلَا يُعَيِّنُهُ فِي الْحَرَمِ، وَلَا

الصفحة 481