كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 16)
الْعَبْدِ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الِاشْتِبَاهِ، وَلَا يُجْبِرُهُ عَلَى السَّفَرِ بِالْعَبْدِ إِلَى الْقَاضِي الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ لَا إِجْبَارَ عَلَيْهِ فِي السَّفَرِ بِمَالِهِ وَلَا عَلَى الْمُحَاكَمَةِ إِلَى غَيْرِ قَاضِي بَلَدِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِصَوَابِهِ.
(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا الْقِسْمُ الرَّابِعُ: وَهُوَ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ لِحَاضِرٍ عَلَى غَائِبٍ بِحَقٍّ حَاضِرٍ، فَهَذَا يَكُونُ فِي الْأَعْيَانِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِالشَّهَادَةِ، فَلَا يَقِفُ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى مُكَاتَبَةِ قَاضٍ آخَرَ، وَيَنْفَرِدُ بِالْحُكْمِ بَعْدَ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ، وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْعَيْنُ مَنْقُولَةً أَوْ غَيْرَ مَنْقُولَةٍ.
فَإِنْ سَأَلَهُ الْمَحْكُومُ لَهُ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا بِاسْتِحْقَاقِ الْمِلْكِ الْحَاضِرِ إِلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَتِ الْعَيْنُ الْمَحْكُومُ بِهَا مَنْقُولَةً، لَمْ يُكْتَبْ بِهَا لِانْبِرَامِ الْحُكْمِ بِهَا، وَانْقِطَاعِ الْعَلَقِ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مَنْقُولَةٍ كَالْعَقَارِ أَجَابَهُ إِلَيْهِ وَكَتَبَ لَهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ قَدِ انْبَرَمَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّ عَنْ ذَلِكَ أُجْرَةً يُطَالِبُ بِهَا الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا: أَنَّ رَجُلًا لَوْ حَضَرَ قَاضِي بَلَدٍ وَذَكَرَ لَهُ أنني ابتعت في خلطة فُلَانٍ الْغَائِبِ سَهْمًا مِنْ دَارٍ فِي بَلَدِكَ وَعَفَا عَنْ شُفْعَتِهِ وَلِي بَيِّنَةٌ قَدْ أَحْضَرْتُهَا تَشْهُدُ عَلَيْهِ بِالْعَفْوِ فَاسْمَعْهَا، وَاكْتُبْ بِهَا إِلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الشَّفِيعُ، فَلَسْتُ آمَنُ إِنْ خَرَجْتُ إِلَيْهِ أَنْ يُطَالِبَنِي بِالشُّفْعَةِ وَيَجْحَدَ الْعَفْوَ، لَمْ يَسْمَعِ الْقَاضِي بَيِّنَتَهُ، وَلَمْ يَكْتُبْ لَهُ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا لَمْ يَسْمَعْهَا؛ لِأَنَّ سَمَاعَهَا بِعَفْوِ الْغَائِبِ يَكُونُ بَعْدَ دَعْوَى الْغَائِبِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْمَعَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً فِيمَا لَمْ يَدَّعِهِ.
وَهَكَذَا لَوْ قَالَ الْحَاضِرُ: لِفُلَانٍ الْغَائِبِ عَلَيَّ أَلْفٌ، قَدْ دَفَعْتُهَا إِلَيْهِ أَوْ قَدْ أَبْرَأَنِي مِنْهَا وَهَذِهِ بَيِّنَتِي وَلَسْتُ آمَنُ إِنْ خَرَجْتُ إِلَيْهِ أَنْ يَجْحَدَ الْقَبْضَ أَوِ الْإِبْرَاءَ وَيُطَالِبَنِي، فَاسْمَعْ بَيِّنَتِي وَاكْتُبْ بِهَا إِلَى قَاضِي بَلَدِهِ، لَمْ يَسْمَعْهَا، وَلَمْ يَكْتُبْ بِهَا؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَمْ يُطَالِبْ فَلَمْ يَسْمَعِ الْبَيِّنَةَ عَلَى غَيْرِ مُطَالَبٍ.
وَهَكَذَا لَوْ قَالَ الْحَاضِرُ: إِنَّ فُلَانًا الْغَائِبَ بَاعَنِي هَذِهِ الدَّارَ، أَوْ وَهَبَهَا لِي، وَهَذِهِ بَيِّنَتِي، وَلَسْتُ آمَنُ أَنْ يَجْحَدَهَا، فَاسْمَعْهَا لِي، لَمْ يَسْمَعْهَا؛ لِأَنَّ سَمَاعَهَا يَكُونُ بَعْدَ جَوَابِ الْغَائِبِ إِنْ أَنْكَرَ.
وَيَتَفَرَّعُ عَلَى هَذَا: أَنَّ امْرَأَةً لَوِ ادَّعَتْ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ حَاضِرٌ، وَهَؤُلَاءِ شُهُودِي عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ وَلَسْتُ آمَنُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِي فَاسْمَعْ بَيِّنَتِي وَاحْكُمْ عَلَيْهِ بِطَلَاقِي لَمْ يَسْمَعْ بَيِّنَتَهَا سَوَاءٌ كَانَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهَا فَلَمْ تَصِحَّ هَذِهِ الدَّعْوَى فَإِنْ تَعَرَّضَ لَهَا الزَّوْجُ أَحْضَرَهُ وَلَمْ يَسْمَعِ الْبَيِّنَةَ قَبْلَ حُضُورِهِ وَإِنْكَارِهِ.
فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ غَائِبًا وَأَرَادَتِ الزَّوْجَةُ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى بَلَدِهِ، فَفِي سَمَاعِ بَيِّنَتِهَا إِذَا ادَّعَتْ أَنَّهُ قَدْ يَتَعَرَّضُ لَهَا وَجْهَانِ:
الصفحة 221
351