كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 16)

فَإِذَا حَضَرَ جَدَّدَ الطَّالِبُ الدَّعْوَى، وَوَصَفَهَا، وَسَأَلَ الْقَاضِي الْخَصْمَ الْمَطْلُوبَ عَنْهَا.
فَإِنِ اعْتَرَفَ بِهَا، وَأَقَرَّ لَمْ يَحْتَجِ الطَّالِبُ إِلَى إِيصَالِ الْكِتَابِ، وَحُكِمَ لَهُ بِإِقْرَارِ الْمَطْلُوبِ.
وَإِنْ أَنْكَرَ عَرَّفَهُ الطَّالِبُ أَنَّ حَقَّهُ عَلَيْهِ قَدْ ثَبَتَ عِنْدَ الْقَاضِي فُلَانٍ وَهَذَا كِتَابُهُ إِلَيْكَ بِثُبُوتِهِ عِنْدَهُ، وَكَانَ الطَّالِبُ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِتَسْلِيمِ الْكِتَابِ مِنْ يَدِهِ إِلَى الْقَاضِي وَيَذْكُرُ لَهُ حُضُورَ شُهُودِهِ.
فَإِذَا وَقَفَ الْقَاضِي عَلَى عُنْوَانِهِ وَخَتْمِهِ، سَأَلَ الشَّاهِدَيْنِ عَنْهُ قَبْلَ فَضِّهِ سُؤَالَ اسْتِخْبَارٍ لَا سُؤَالَ شَهَادَةٍ.
فَإِذَا أَخْبَرَاهُ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي إِلَيْهِ فَضَّهُ وَقَرَأَهُ.
وَالْأَوْلَى أَنْ يَفُضَّهُ وَيَقْرَأَهُ بِمَحْضَرٍ مِنَ الْخَصْمِ الْمَطْلُوبِ فَإِنْ قَرَأَهُ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ جَازَ.
وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ جَوَازِ فَضِّهِ وَقِرَاءَتِهِ قَبْلَ حُضُورِ الْخَصْمِ الْمَطْلُوبِ.
وَهَذَا عِنْدَنَا عُدُولٌ عَنِ الْأَوْلَى، وَلَيْسَ بِعُدُولٍ عَنِ الْوَاجِبِ، لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْقِرَاءَةِ حُكْمٌ وَلَا إِلْزَامٌ.
وَيَبْنِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَصْلِهِ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ.
فَإِذَا قَرَأَهُ الْقَاضِي سَأَلَ الشَّاهِدَيْنِ عَمَّا فِيهِ سُؤَالَ اسْتِشْهَادٍ لَا سُؤَالَ اسْتِخْبَارٍ، لِأَنَّ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ يَجِبُ الْحُكْمُ بِمَا فِي الْكِتَابِ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا إِلَّا عِنْدَ حُضُورِ الْخَصْمِ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَيْهِ بِحَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ.
وَهَذَا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ اسْتِخْبَارٌ كَانَا فِيهِ مُخَيَّرَيْنِ، وَالثَّانِي اسْتِشْهَادٌ كَانَا فِيهِ شَاهِدَيْنِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْخَصْمُ غَائِبًا عِنْدَ الِاسْتِخْبَارِ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا عِنْدَ الِاسْتِشْهَادِ.
فَلَوِ اقْتَصَرَ الْقَاضِي عَلَى الِاسْتِشْهَادِ دُونَ الِاسْتِخْبَارِ جَازَ، وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى الِاسْتِخْبَارِ دُونَ الِاسْتِشْهَادِ لَمْ يَجُزْ لِاخْتِصَاصِ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ دُونَ الْخَبَرِ.
وَالْأَوْلَى بِالْقَاضِي أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، عَلَى مَا وَصَفْنَا لِيَكُونَ الِاسْتِخْبَارُ لِاسْتِبَاحَةِ قِرَاءَتِهِ وَالِاسْتِشْهَادُ لِوُجُوبِ الْحُكْمِ به.

الصفحة 229