كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 16)
وَأَحْوَطُ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يُسَمِّهِمْ، وَهُوَ أَوْلَى عِنْدَ أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَأَحْوَطُ لِلْمَحْكُومِ لَهُ.
فَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِمْ، قَالَ: شَهِدَ بِهِ عِنْدِي رَجُلَانِ حُرَّانِ عَرَفْتُهُمَا بِمَا يَجُوزُ بِهِ قَبُولُ شَهَادَتِهِمَا.
وَإِنْ سَمَّاهُمْ قَالَ: شَهِدَ بِهِ عِنْدِي فُلَانٌ وَفُلَانٌ وَقَدْ ثَبَتَ عِنْدِي عَدَالَتُهُمَا.
فَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ثُبُوتَ عَدَالَتِهِمَا عِنْدَهُ وَذَكَرَ الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِمَا فَهَلْ يَكُونُ تَنْفِيذُهُ لِلْحُكْمِ بِشَهَادَتَهِمَا تَعْدِيلًا مِنْهُ لَهُمَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا.
وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ بِإِقْرَارِهِ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ: أَنَّهُ أَقَرَّ عِنْدِي طَوْعًا فِي صِحَّةٍ مِنْهُ وَجَوَازِ أَمْرٍ لِأَنَّ إِقْرَارَ الْمُكْرَهِ وَمَنْ لَا يَجُوزُ أَمْرُهُ مِنَ الصَّغِيرِ وَالسَّفِيهِ غَيْرُ لَازِمٍ.
فَإِنِ اقْتَصَرَ فِي كِتَابِهِ عَلَى الْحُكْمِ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ، وَلَمْ يَقُلْ طَوْعًا فِي صِحَّةٍ مِنْهُ وَإِجْوَازِ أَمْرٍ، فَهَلْ يَقُومُ حُكْمُهُ عَلَيْهِ مَقَامَ ذِكْرِهِ لِذَلِكَ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ كَالْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ هَلْ يَقُومُ مَقَامَ ذِكْرِهِ لِلْعَدَالَةِ.
وَإِنْ كَانَ الْحُكْمُ عَلَى الْغَائِبِ بِنُكُولِهِ وَيَمِينِ الطَّالِبِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي مَشْرُوحًا فِي كِتَابِهِ.
فَيَصِيرُ الْحَقُّ ثَابِتًا عَلَى الْغَائِبِ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهُمَا: بِإِقْرَارِهِ وَهُوَ أَقْوَى.
وَالثَّانِي: بِنُكُولِهِ ويمين الطالب هو أَضْعَفُ.
وَالثَّالِثُ: بِالشَّهَادَةِ عَلَى إِقْرَارِهِ وَهُوَ أَوْسَطُ.
فَإِنْ ذَكَرَ الْقَاضِي فِي كِتَابِهِ مَا حَكَمَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ فَهُوَ الصَّحِيحُ النَّافِي لِلتُّهْمَةِ.
وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِي كِتَابِهِ مَا حَكَمَ بِهِ مِنْهَا وَقَالَ: ثَبَتَ عَلَيْهِ عِنْدِي بِمَا تَثْبُتُ بِمِثْلِهِ الْحُقُوقُ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنَ الثَّلَاثَةِ تَثْبُتُ بِهِ الْحُقُوقُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِهِمَا؛ لِأَنَّهُ فِي الْإِقْرَارِ لَا تُسْمَعُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ فِي الْأَعْيَانِ وَتُسْمَعُ مِنْهُ الْبَيِّنَةُ فِي النُّكُولِ وَتَتَعَارَضُ بِهِ الْبَيِّنَةُ فِي الشَّهَادَةِ فَتَرَجَّحَ بِوُجُودِ الْيَدِ عِنْدَنَا وَتَرَجَّحَ بِعَدَمِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
فَإِذَا اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بِالْحَقِّ فِي جَنَبَةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ لَمْ يَجُزْ لِلْقَاضِي إِغْفَالُ ذِكْرِهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إِسْقَاطِ حُجَّةِ المحكوم عليه.
الصفحة 237
351