كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 16)
مُشْتَرِكًا، فَيُجَابُ طَالِبُ الْقِسْمَةِ إِلَيْهَا، وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَيْهَا لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِيَتَصَرَّفَ عَلَى اخْتِبَارِهِ.
وَالثَّانِي: لِيَأْمَنَ اخْتِلَاطَ الْأَيْدِي وَسوءَ الْمُشَارَكَةِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَسْتَضِرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِالْقِسْمَةِ، لضيق الأرض، وَكَثْرَةِ السِّهَامِ، وَذَهَابِ مَنَافِعِهَا، بِافْتِرَاقِ الْأجزَاءِ وَحُصُولِ مَنَافِعِهَا بِاجْتِمَاعِهَا، فَتَصِيرُ كَقِسْمَةِ مَا لَا يَدْخُلُهُ الْإِجْبَارُ مِنَ الْبِئْرِ وَالْحَمَّامِ وَالرَّحَى وَالسَّيْفِ فَلَا تُقَسَّمُ بَيْنَهُم جَبْرًا لِدُخُولِ الضَّرَرِ عَلَى جَمِيعِهِمْ.
وَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي الْقِسْمَةِ قَوْلُ الْمُمْتَنِعِ مِنْهَا وَهُوَ مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: الْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ طَالِبِ الْقِسْمَةِ وَيُجْبَرُ الْمُمْتَنِعُ عَلَيْهَا مَعَ دُخُولِ الضّررِ عَلَى الطَّالِبِ وَالْمَطْلُوبِ لِيَنْفَرِدَ بِمِلْكِهِ وَيَدِهِ.
وَدَلِيلُنَا: مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ وَمَنْ ضَارَّ أَضَرَّ اللَّهُ وَمَنْ شَاقَّ شَقَّ اللَّهُ عَلَيْهِ ".
وَرُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ " نَهَى عَنْ قِيلٍ وَقَالَ وَكَثْرَةِ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ ".
وَلِأَنَّ مَا عَمَّ الضَّرَرُ بِقَسْمِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْإِجْبَارُ عَلَى الْقِسْمَةِ كَالْجَوْهَرَةِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَسْتَضِرَّ بِالْقِسْمَةِ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ دُونَ بَعْضٍ.
فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْإِجْبَارِ عَلَيْهَا عَلَى مَذَاهِبَ.
فَقَالَ مَالِكٌ: يُجْبَرُ عَلَيْهَا مَنِ امْتَنَعَ مِنْهَا.
وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لَا يُجْبَرُ.
وَقَالَ ابن أبي ليلى: يباع ويقسم الثمن بينهم.
وَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ إِنْ كَانَ طَالِبُ الْقِسْمَةِ مُنْتَفِعًا أُجْبِرَ عَلَيْهَا الْمُمْتَنِعَ وَإِنِ اسْتَضَرَّ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ الْعِلَّتَيْنِ:
إِحْدَاهَا: كَمَالُ تَصَرُّفِهِ عَلَى اخْتِيَارِهِ.
وَالثَّانِي: انْفِرَادُ يَدِهِ مِنْ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ.
فَأَمَّا إِنْ كَانَ طَالِبُ الْقِسْمَةِ هُوَ الْمُسْتَضِرُّ بِهَا، وَالْمَطْلُوبُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهَا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي إِجَابَةِ الطَّالِبِ إِلَيْهَا، وَإِجْبَارِ الْمَطْلُوبِ عَلَيْهَا، عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ عَنِ الْمَطْلُوبِ
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُجْبَرُ عَلَيْهَا لِدُخُولِ الضَّرَرِ عَلَى طَالِبِهَا.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيمَا يُعْتَبَرُ بِهِ دُخُول الضرر عَلَى وَجْهَيْنِ:
الصفحة 251
351