كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 16)
(قسمة العلو والسفل)
(مسألة)
: قال الشافعي: " وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ لِأَحَدِهِمَا سُفْلًا وَلِلْآخَرِ علوه إِلَّا أَنْ يَكُونَ سُفْلُهُ وَعُلُوُّهُ لِوَاحِدٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَسَّمَ بَيْنَهُمَا، عَلَى أَنْ يَجْعَلَ السُّفْلَ لِأَحَدِهِمَا وَالْعُلُوَّ لِلْآخَرِ لَمْ يَقَعْ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ إِجْبَارٌ؛ لِأَنَّهُمَا شَرِيكَانِ فِي السُّفْلِ وَالْعُلُوِّ، وَمَنْ مَلَكَ السُّفْلَ مَلَكَ مَا تَحْتَهُ مِنَ الْأَرْضِ وَمَا فَوْقَهُ مِنَ الْهَوَاءِ، بِدَلِيلِ أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْفِرَ فِي الْأَرْضِ مَا شَاءَ وَيَبْنِيَ فِي الْهَوَاءِ مَا شَاءَ، وَهَذِهِ الْقِسْمَةُ تَمْنَعُ صَاحِبَ السُّفْلِ مِنْ حَقِّهِ فِي الْهَوَاءِ، وَتَمْنَعُ صَاحِبَ الْعُلُوِّ مِنْ حَقِّهِ فِي الْأَرْضِ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ فِي هَذَا قِسْمَةُ إِجْبَارٍ.
فَإِنْ تَرَاضَى الشَّرِيكَانِ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ، جَازَتْ بِالتَّرَاضِي.
وَقَدْ نَصَّ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ وَكَانَتْ هَذِهِ الْقِسْمَةُ بَيْعًا.
فَلَوْ دَعَا أَحَدُهُمَا إِلَى قِسْمَةِ السُّفْلِ عَلَى انْفِرَادِهِ وَقِسْمَةِ الْعُلُوِّ عَلَى انْفِرَادِهِ لَمْ يَقَعْ فِيهِ إِجْبَارٌ وَقُسِّمَ الْعُلُوُّ مَعَ السُّفْلِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ، وَقَدْ يَجُوزُ إِذَا أَفْرَدَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْقِسْمَةِ أَنْ يَحْصُلَ عُلُوُّ السُّفْلِ الَّذِي لِأَحَدِهِمَا لِغَيْرِهِ وَسُفْلُ الْعُلُوِّ الَّذِي لِأَحَدِهِمَا لِغَيْرِهِ، فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ إِفْرَادُ قِسْمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَبْرًا إِلَّا أَنْ يَتَرَاضَيَا عَلَيْهِ فيجوز بتراضيهما.
(قسمة الدور)
(فَصْلٌ)
: وَإِذَا كَانَ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ دَارَانِ مَحُوزَتَانِ فَطَلَبَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ الْقِسْمَةَ عَلَى أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنَ الدَّارَيْنِ لِأَحَدِهِمَا بِالْقُرْعَةِ لَمْ يَقَعْ فِيهِ إِجْبَارٌ لِأَنَّ كُلَّ دَارٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُمَا فَوَجَبَ أَنْ يُقَسَّمَ كُلُّ وَاحِدَةٍ بَيْنَهُمَا.
فَإِنْ تَرَاضَيَا بِهَذَا لَمْ تَكُنْ قِسْمَةً وَكَانَتْ بَيْعًا مَحْضًا يَبِيعُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقَّهُ مِنْ إِحْدَى الدَّارَيْنِ بِحَقِّ شَرِيكِهِ مِنَ الدر الْأُخْرَى.
فَيُكْتَبُ فِيهِ كِتَابُ ابْتِيَاعٍ وَلَا يُكْتَبُ فيه كتاب قسمة ويكون بيع مناقلة.
(قسمة الأرض المزروعة) .
(فَصْلٌ)
: وَإِذَا كَانَ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ أَرْضٌ مَزْرُوعَةٌ فطلب أحدهما القسمة، فله ثلاثة أَحْوَالٍ:
إِحْدَاهَا: أَنْ يَطْلُبَ قِسْمَةَ الْأَرْضِ لِيَكُونَ فِيهَا الزَّرْعُ بَاقِيًا عَلَى الشَّرِكَةِ، فَيَصِحُّ الْإِجْبَارُ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ عَلَى الْأَرْضِ وَحْدَهَا وَلَا يَمْنَعُ مِنْهَا مَا فِي الْأَرْضِ مِنَ الزَّرْعِ،
الصفحة 259
351