كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 16)
(باب ما على القاضي في الخصوم والشهود)
(مسألة)
: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُنْصِفَ الْخَصْمَيْنِ فِي الْمَدْخَلِ عَلَيْهِ لِلْحُكْمِ وَالِاسْتِمَاعِ وَالْإِنْصَاتِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَتَّى تَنْفُذَ حُجَّتُهُ وَلَا يَنْهَرُهُمَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْقُضَاةَ زعماء العدل والإنصات نُدِبُوا لِأَنْ يَتَنَاصَفَ بِهِمُ النَّاسُ، فَكَانَ أَوْلَى أَنْ يَكُونُوا أَنْصَفَ النَّاسِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فاحكم بين الناس بالحق} [الآية: 26] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بغير هدى من الله} [قصص: 50] .
وَرَوَى عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " مَنِ ابْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ بَيْنَ النَّاسِ بِالْمُسْلِمِينَ فَلْيَعْدِلْ بَيْنَهُمْ فِي لَحْظِهِ، وَإِشَارَتِهِ، وَمَقْعَدِهِ، وَلَا يَرْفَعُ صَوْتَهُ عَلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ، مَا لَا يَرْفَعُ عَلَى الْآخَرِ ".
وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إِلَى أَبِي موسى الاشعري، في عهده على قضاء البصر: " آسِ بَيْنَ النَّاسِ، فِي وَجْهِكَ، وَمَجْلِسِكَ، وَعَدْلِكَ، حَتَّى لَا يَطْمَعَ شَرِيفٌ فِي حَيْفِكَ، وَلَا ييأس ضعيف من عدلك ".
(آداب القضاة)
وللقضاءة آدَابٌ تَزِيدُ بِهَا هَيْبَتُهُمْ، وَتَقْوَى بِهَا رَهْبَتُهُمْ، وَالْهَيْبَةُ وَالرَّهْبَةُ فِي الْقُضَاةِ مِنْ قَوَاعِدِ نَظَرِهِمْ لِتَقُودَ الْخُصُومَ إِلَى التَّنَاصُفِ وَتَكُفَّهُمْ عَنِ التَّجَاحُدِ.
وَآدَابُهُمْ، بَعْدَ مَا قَدَّمْنَا مِنَ الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي صِحَّةِ وِلَايَاتِهِمْ، تَشْتَمِلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: آدَابُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ: وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِحَالِ الْقَاضِي، فَإِنْ كَانَ مَوْسُومًا بِالزُّهْدِ وَالتَّوَاضُعِ وَالْخُشُوعِ، كَانَ أَبْلَغَ فِي هَيْبَتِهِ، وَأَزْيَدَ فِي رَهْبَتِهِ.
وَإِنْ كَانَ مُمَازِجًا لِأَبْنَاءِ الدُّنْيَا، تَمَيَّزَ عَنْهُمْ بِمَا يَزِيدُ فِي هَيْبَتِهِ، مِنْ لِبَاسٍ لَا يُشَارِكُهُ غَيْرُهُ فِيهِ، وَمَجْلِسٍ لَا يُسَاوِيهِ غَيْرُهُ فيه وسمت يزيد على غيره فيه.
(ملبس القضاة) .
فَأَمَّا اللِّبَاسُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَخْتَصَّ بِأَنْظَفِهَا مَلْبَسًا، وَيَخُصَّ يَوْمَ نَظَرِهِ بِأَفْخَرِ لِبَاسِهِ
الصفحة 272
351