كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 16)

وَالْأَوْلَى بِالْقَاضِي أَنْ لَا يُشْرِكَ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فِي مَجْلِسِ النَّظَرِ، وَيَجْعَلَ لِلنِّسَاءِ وَقْتًا، وَلِلرِّجَالِ وَقْتًا.
وَلَا يَحْضُرُ تَخَاصُمَ النِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ مَنْ يسْتَغْنى عَنْ حُضُورِهِ.
وَقَدِ اخْتِيرَ لِلْحَاكِمِ عِنْدَ تَحَاكُمِ النِّسَاءِ أَنْ يَكُونَ الْوَاقِفُ بَيْنَ يَدَيْهِ لِتَرْتِيبِ الْخُصُومِ خَصِيًّا.
وَإِنْ كَانَ التَّحَاكُمُ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَنْظُرَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ تَحَاكُمِ الرِّجَالِ، لِأَجْلِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يَنْظُرُ بَيْنَهُمَا، عِنْدَ تَحَاكُمِ النِّسَاءِ لِأَجْلِ الرَّجُلِ، وَيَجْعَلُ لَهُمَا وَقْتًا غَيْرَ هَذَيْنِ.
وَإِذَا جَلَسَ الْخَصْمَانِ تَقَارَبَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا رجلا والآخر امرأة ليست بذات محرم فيتباعدا ولا يتلاقصا وَأَبْعَدُ مَا يَكُونُ مِنْ بَيْنِ الْخَصْمَيْنِ، أَنْ يَسْمَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَلَامَ صَاحِبِهِ.
وَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَ الْخَصْمَيْنِ مِنْ غَيْرِ ضَجَرٍ، وَلَا انْتِهَارٍ، لِأَنَّ ضَجَرَهُ عَلَيْهِمَا مُسْقِطٌ لِمَا عَلَيْهِ مِنْ حَقِّهِمَا، وَانْتِهَارَهُ لَهُمَا مُضْعِفٌ لِنُفُوسِهِمَا، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مِنْهُمَا لَغَطٌ فَيَنْتَهِرُهُمَا، أَوْ يَنْتَهِرُ اللَّاغِطَ مِنْهُمَا.
فَإِنْ أَمْسَكَا عَنِ الْكَلَامِ بَعْدَ جُلُوسِهِمَا، قَالَ الْقَاضِي: يَتَكَلَّمُ مَنْ شَاءَ مِنْكُمَا، وَالْأَوْلَى أَنْ يَقُولَهُ الْقَائِمُ بَيْنَ يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ أَحْفَظُ لِحِشْمَتِهِ.
فَإِنْ تَنَازَعَا فِي الْكَلَامِ كَفَّهُمَا عَنِ التَّنَازُعِ، حَتَّى يَتَّفِقَا عَلَى الْمُبْتَدِئِ مِنْهُمَا.
فَإِنْ أَقَامَا عَلَى التَّنَازُعِ وَيَبْتَدِئُ بِالْكَلَامِ مِنْ قَرْعٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصْرِفُهُمَا حَتَّى يَتَّفِقَا عَلَى الْمُبْتَدِئِ.
(لَا يَتَعَنَّتُ الْقَاضِي شَاهِدًا) .

(مسألة)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يَتَعَنَّتُ شَاهِدًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَعَنَتُ الشَّاهِدِ قَدْ يَكُونُ مِنَ الْقَاضِي مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: إِظْهَارُ التَّنَكُّرِ عَلَيْهِ، والاسترابة به، وهو طاهر الستر، مَوْفُورُ الْعَقْلِ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَسْأَلَهُ مِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ مَا شَهِدْتَ وَكَيْفَ تَحَمَّلْتَ وَلَعَلَّكَ سَهَوْتَ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَتَتَبَّعَهُ فِي أَلْفَاظِهِ، وَيُعَارِضَهُ إِلَى مَا جَرَى مَجْرَى مَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّ عَنَتَ الشَّاهِدِ قَدْحٌ فِيهِ، وَمَيْلٌ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ، وَمُفْضٍ إِلَى تَرْكِ الشَّهَادَةِ عِنْدَهُ.

الصفحة 277