كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 16)

رَجُلًا نَزَلَ بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: أَلَكَ خَصْمٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: تَحَوَّلَ عَنَّا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: " لَا تُضِيفُوا أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ إِلَّا وَمَعَهُ خَصْمُهُ " فَلِذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُضِيفَ أَحَدَهُمَا، وَقِيلَ لَهُ: إِمَّا تُضِيفُهُمَا مَعًا أَوْ تَصْرِفُهُمَا مَعًا.
وَتَأَوَّلَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا قَوْلَ الشَّافِعِيِّ: وَلَا يُضِيفُ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ دُونَ صَاحِبِهِ أَيْ لَا يُقَدِّمُهُ عَلَيْهِ فِي مَجْلِسِهِ، فَيُضِيفُهُ إِلَى نَفْسِهِ بِتَقْدِيمِهِ، وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ حَقِيقَةِ اللفظ إلى مجازه.
(مَنْعُ الْوُلَاةِ وَالْقُضَاةِ مِنْ قَبُولِ الْهَدَايَا) .

(مَسْأَلَةٌ)
: قال الشافعي: " وَلَا يَقْبَلَ مِنْهُ هَدِيَّةً وَإِنْ كَانَ يُهْدِي إِلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ حَتَّى تَنْفُذَ خُصُومَتُهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: يَنْبَغِي لِكُلِّ ذِي وِلَايَةٍ أَنْ يَتَنَزَّهَ عَنْ قَبُولِ هَدَايَا أَهْلِ عَمَلِهِ.
رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُبَيْلٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَمَّا سِرْتُ، أَرْسَلَ فِي أَثَرِي، فَقَالَ: " أَتَدْرِي لِمَ بَعَثْتُ إِلَيْكَ؟ لَا تُصِيبَنَّ شَيْئًا بِغَيْرِ عِلْمِي فَإِنَّهُ غُلُولٌ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. لِهَذَا دَعَوْتُكَ فَامْضِ لِعَمَلِكَ ".
وَرَوَى إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ عُمَيْرٍ الْكِنْدِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى الْمِنْبَرِ، وَهُوَ يَقُولُ: " وَمَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ فَهُوَ غُلُولٌ يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".
وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " هَدَايَا الْأُمَرَاءِ غُلُولٌ ".
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ قَالَ اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجلا من بني أسد يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فقام النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَالَ: " مَا بَالُ الْعَامِلِ نَبْعَثُهُ عَلَى بَعْضِ أَعْمَالِنَا فَيَقُولُ: هَذَا لَكُمْ، وَهَذَا أُهْدِيَ لِي؟ أَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ فَيَنْظُرُ يُهْدَى إِلَيْهِ أَمْ لَا؟ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ

الصفحة 281