كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 16)
(فصل: مهاداة قضاة الأحكام) .
وَأَمَّا الصِّنْفُ الثَّالِثُ وَهُمْ قُضَاةُ الْأَحْكَامِ، فَالْهَدَايَا فِي حَقِّهِمْ أَغْلَظُ مَأْثَمًا، وَأَشَدُّ تَحْرِيمًا، لِأَنَّهُمْ مَنْدُوبُونَ لِحِفْظِ الْحُقُوقِ عَلَى أَهْلِهَا دُونَ أَخْذِهَا، يَأْمُرُونَ فِيهَا بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ فِيهَا عَنِ الْمُنْكَرِ وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " لَعَنَ اللَّهُ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي فِي الْحُكْمِ " فَخَصَّ الْحُكْمَ بِالذِّكْرِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالتَّغْلِيظِ.
وَيَنْقَسِمُ حَالُ الْقَاضِي فِي الْهَدِيَّةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ الْهَدِيَّةُ فِي عَمَلِهِ، مِنْ أهل عمله، فللمهدي ثلاثة أَحْوَالٍ:
إِحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ لَمْ يُهَادِهِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَ هَدِيَّتَهُ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ فِي حَالِ الْهَدِيَّةِ مُحَاكَمَةٌ، أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ مُعَرَّضٌ لِأَنْ يُحَاكَمَ أَوْ يُحَاكِمَ، وَهِيَ مِنَ الْمُتَحَاكِمِينَ رِشْوَةٌ مُحَرَّمَةٌ وَمِنْ غَيْرِهِمْ هَدِيَّةٌ مَحْظُورَةٌ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ مِمَّنْ يُهَادِيهِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ لَرَحِمٍ أَوْ مَوَدَّةٍ وَلَهُ فِي الْحَالِ مُحَاكَمَةٌ، فَلَا يَحِلُّ لَهُ قَبُولُ هَدِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ قَبُولَهَا مُمَايَلَةٌ.
وَالْحَالُ الثالثة: أن يكون ممن بهاديه قَبْلَ الْوِلَايَةِ وَلَيْسَ لَهُ مُحَاكَمَةً فَيَنْظُرُ: فَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِ هَدَايَاهُ الْمُتَقَدِّمَةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يُهَادِيهِ بِالطَّعَامِ فَصَارَ يُهَادِيهِ بِالثِّيَابِ، لَمْ يجز أن يقبلها؛ لأنه الزِّيَادَة هَدِيَّةٌ بِالْوِلَايَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ جِنْسِ مَا يُهَادِيهِ قَبْلَ الْوِلَايَةِ فَفِي جَوَازِ قَبُولِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَهَا لِخُرُوجِهَا عَنْ سَبَبِ الْوِلَايَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَهَا لِجَوَازِ أَنْ تَحْدُثَ لَهُ مُحَاكَمَةٌ يُنْسَبُ بِهَا إِلَى الْمُمَايَلَةِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْهَدِيَّةُ فِي عَمَلِهِ، مِنْ غَيْرِ أَهْلِ عَمَلِهِ فلمهديها ثلاثة أَحْوَالٍ:
إِحْدَاهَا: أَنْ يَكُونَ قَدْ دَخَلَ بِهَا إِلَى عَمَلِهِ، فَقَدْ صَارَ بِالدُّخُولِ بِهَا مِنْ أَهْلِ عَمَلِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَهَا، سَوَاءٌ كَانَتْ لَهُ مُحَاكَمَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ لِجَوَازِ أَنْ تَحْدُثَ لَهُ مُحَاكَمَةٌ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ لَا يَدْخُلَ بِهَا الْمُهْدِي وَيُرْسِلُهَا وَلَهُ مُحَاكَمَةٌ وَهُوَ فِيهَا طَالِبٌ أَوْ مَطْلُوبٌ فَهِيَ رِشْوَةٌ مُحَرَّمَةٌ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُرْسِلَهَا وَلَا يَدْخُلَ بِهَا، وَلَيْسَ لَهُ مُحَاكَمَةٌ فَفِي جَوَازِ قَبُولِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ لِمَا يَلْزَمُهُ مِنَ النَّزَاهَةِ.
وَالثَّانِي: يَجُوزُ لِوَضْعِ الْهَدِيَّةِ عَلَى الْإِبَاحَةِ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ الْهَدِيَّةُ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ وَمِنْ غَيْرِ أَهْلِ عَمَلِهِ لِسَفَرِهِ عَنْ
الصفحة 286
351