كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 16)

أَحَدُهَا: أَنْ يَشْفَعَ فِي مَحْظُورٍ، مِنْ إِسْقَاطِ حَقٍّ، أَوْ مَعُونَةٍ عَلَى ظُلْمٍ، فَهُوَ فِي الشَّفَاعَةِ ظَالِمٌ وَبِقَبُولِ الْهَدِيَّةِ عَلَيْهَا آثِمٌ، تَحِلُّ لَهُ الشَّفَاعَةُ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ الْهَدِيَّةُ،
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَشْفَعَ فِي حَقٍّ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ، فَالشَّفَاعَةُ مُسْتَحَقَّةٌ عَلَيْهِ وَالْهَدِيَّةُ عَلَيْهِ مَحْظُورَةٌ؛ لِأَنَّ لَوَازِمَ الْحُقُوقِ لَا يُسْتَعْجَلُ عَلَيْهَا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَشْفَعَ فِي مُبَاحٍ لَا يَلْزَمُهُ، فَهُوَ بِالشَّفَاعَةِ مُحْسِنٌ لِمَا فِيهَا مِنَ التَّعَاوُنِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " اشْفَعُوا إِلَيَّ، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا يَشَاءُ ".
وَلِلْهَدِيَّةِ عَلَى هَذِهِ الشفاعة ثلاثة أَحْوَالٍ:
إِحْدَاهَا: أَنْ يَشْتَرِطَهَا الشَّافِعُ فَقَبُولُهَا مَحْظُورٌ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَعْجِلُ عَلَى حَسَنٍ قَدْ كَانَ مِنْهُ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقُولَ الْمُهْدِي هَذِهِ الْهَدِيَّةُ جَزَاءٌ عَلَى شَفَاعَتِكَ فَقَبُولُهَا مَحْظُورٌ عَلَيْهِ، كَمَا لَوْ شَرَطَهَا؛ لِأَنَّهَا لَمَّا جُعَلِتْ جَزَاءً صَارَتْ كَالشَّرْطِ.
وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يُمْسِكَ الشَّافِعُ عَنِ اشْتِرَاطِهَا وَيُمْسِكُ الْمُهْدِي عَنِ الْجَزَاءِ بِهَا فَإِنْ كَانَ مُهَادِيًا قَبْلَ الشَّفَاعَةِ، لَمْ يُمْنَعِ الشَّافِعُ مِنْ قَبُولِهَا وَلَمْ يُكْرَهْ لَهُ الْقَبُولُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُهَادٍ قَبْلَ الشَّفَاعَةِ كُرِهَ لَهُ الْقَبُولُ، وَإِنْ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ فَإِنْ كافأ عليها لم يكره له القبول.
(تقديم النظر بين المسافرين) .

(مسألة)
: قال الشافعي: " وَإِذَا حَضَرَ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ فَإِنْ كَانَ الْمُسَافِرُونَ قَلِيلًا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْدَأَ بِهِمْ وَأَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ يَوْمًا بِقَدْرِ مَا لَا يَضُرُّ بِأَهْلِ الْبَلَدِ فَإِنْ كَثُرُوا حَتَّى سَاوَوْا أَهْلَ الْبَلَدِ آسَاهُمْ بِهِمْ وَلِكُلٍّ حَقٌّ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ عَلَى الْقَاضِي فِي النَّظَرِ بَيْنَ الْخُصُومِ أَنْ يُقَدِّمَ السَّابِقَ عَلَى الْمَسْبُوقِ، فَإِنْ حَضَرَهُ مُسَافِرُونَ وَمُقِيمُونَ، فَفِي تَأْخِيرِ الْمُسَافِرِينَ إِذَا كَانُوا مَسْبُوقِينَ إِضْرَارٌ بِهِمْ لِتَأَخُّرِهِمْ عَنِ العود إلى أوطانهم، فَإِنْ قَلُّوا وَلَمْ يَكْثُرُوا قَدَّمَهُمُ الْقَاضِي عَلَى الْمُقِيمِينَ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يُعْتَبَرُ فِي تَقْدِيمِهِمُ اسْتِطَابَةُ نُفُوسِ الْمُقِيمِينَ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لَا تُعْتَبَرُ، وَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُقَدِّمَهُمْ وَإِنْ كَرِهَ الْمُقِيمُونَ لِدُخُولِ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسَافِرِينَ دُونَ الْمُقِيمِينَ.

الصفحة 288