كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 16)

والثَّانِي: أَنْ يَسْأَلَ الْقَاضِي قَبْلَ سُؤَالِ الْمُدَّعِي.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَبْتَدِئَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْجَوَابِ قَبْلَ السُّؤَالِ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَسْأَلَهُ الْمُدَّعِي فَيُجِيبُ وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ.

(فَصْلٌ)
: وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ فِي جَوَابِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
وَلَيْسَ تَخْلُو حَالُهُ بَعْدَ سُؤَالِهِ عَنِ الدَّعْوَى مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُقِرَّ.
وَالثَّانِي: أَنْ يُنْكِرَ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ لَا يُقِرَّ وَلَا يُنْكِرَ.
فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: إِذَا أَقَرَّ؛ فَقَدْ ثَبَتَ الْحَقُّ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ.
وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِهِ وَيُلْزِمَهُ أَدَاؤُهُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَسْأَلَهُ الْمُدَّعِي أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لِغَيْرِ طَالِبٍ فَيَقُولُ الْقَاضِي لِلْمُدَّعِي قَدْ أَقَرَّ لَكَ بِمَا ادَّعَيْتَ فَمَاذَا تُرِيدُ؟
وَلَا يَقُولُ لَهُ: قَدْ سَمِعْتُ إِقْرَارَهُ، لِأَنَّ قَوْلَهُ قَدْ أَقَرَّ حُكْمٌ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ، وَلَيْسَ قَوْلُهُ قَدْ سَمِعْتَ الْإِقْرَارَ حُكْمًا بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ.
فَإِنْ لَمْ يُطَالِبْهُ الْمُدَّعِي بِالْحُكْمِ أَمْسَكَ عَنْهُ، وَصَرَفَهُمَا.
وَكَانَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَتَنَجَّزَ مِنَ الْقَاضِي مَحْضَرًا بِثُبُوتِ الْحُقُوقِ دُونَ الْحُكْمِ بِهِ.
وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مُلَازَمَةُ الْمُقِرِّ قَبْلَ الْحُكْمِ.
وَإِنْ سَأَلَهُ الْحُكْمَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ، حَكَمَ بِأَحَدِ ثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ: إِمَّا أَنْ يَقُولَ: قَدْ حَكَمْتُ عَلَيْكَ بِإِقْرَارِكَ، وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ: قَدْ أَلْزَمْتُكَ مَا أَقْرَرْتُ بِهِ، وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ: اخْرُجْ إِلَيْهِ مِنْ حَقِّهِ فِي إِقْرَارِكَ.
وَلِلْمُدَّعِي أَنْ يَتَنَجَّزَ مِنَ الْقَاضِي مَحْضَرًا، بِثُبُوتِ الْحَقِّ، وَبِإِنْفَاذِ حُكْمِهِ بِهِ.
وَلَهُ مُلَازَمَةُ الْمُقِرِّ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَيْهِ مِنْ حَقِّهِ.
وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ بِكَفِيلٍ، إِلَّا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَيْهِ عَنْ تَرَاضٍ.
وَلَا يُسْقِطُ حَقُّهُ مِنْ مُلَازَمَتِهِ بِإِقَامَةِ الْكَفِيلِ، سَوَاءٌ كَفَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمَا عَلَيْهِ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ وَثِيقَةٌ، فَلَمْ تَمْنَعْ مِنَ الْمُلَازَمَةِ كَمَا لَمْ تَمْنَعْ مِنَ الْمُطَالَبَةِ.
فَإِنِ اتَّفَقَا عَنِ الْكَفَالَةِ عَلَى تَخْلِيَةِ سَبِيلِهِ، لَمْ يَلْزَمْ هَذَا الِاتِّفَاقُ، وَكَانَ لَهُ أَنْ يَعُودَ إِلَى مُلَازَمَتِهِ بَعْدَ تَخْلِيَتِهِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ، إِلَى أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ.

الصفحة 309