كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 16)
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يُنْكِرَ الدَّعْوَى، فَيَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي: قَدْ أَنْكَرَكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَقُولَ لَهُ قَدْ سَمِعْتَ إِنْكَارَهُ، بِخِلَافِهِ فِي الْإِقْرَارِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ لِتَرَدُّدِ الْإِقْرَارِ بَيْنَ صِحَّةٍ وَفَسَادٍ، وَعَدَمِهِ فِي الْإِنْكَارِ.
وَيَكُونُ الْقَاضِي فِي إِخْبَارِهِ بِالْإِنْكَارِ بَيْنَ خِيَارَيْنِ.
إِمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ: قَدْ أَنْكَرَكَ فَهَلْ لَكَ بَيِّنَةٌ؟ وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ: قَدْ أَنْكَرَكَ فَمَا عِنْدَكَ فِيهِ؟ .
والْأَوَّلُ أَوْلَى، مَعَ مَنْ جَهِلَ، وَالثَّانِي أَوْلَى مَعَ مَنْ عَلِمَ.
وَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي إِنْكَارِ الدَّعْوَى مَوْقُوفًا عَلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعِي فِي إِثْبَاتِ الْحَقِّ بِهَا، وَعَلَى يَمِينِ الْمُنْكِرِ عِنْدَ عَدَمِهَا لِإِسْقَاطِ الْمُطَالَبَةِ بِهَا.
وَلِلْمُدَّعِي للخيار فِي إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِهِ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى إِقَامَتِهَا.
وَلِلْمُنْكَرِ الْخِيَارُ فِي الْيَمِينِ؛ لِأَنَّهَا مِنْ حُقُوقِهِ، فَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْحَلِفِ بِهَا وَالْحُكْمِ فِيهَا، عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ.
فَلَوْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: مَا لَكَ عَلَيَّ شَيْءٌ، فَقَالَ لَهُ الْمُدَّعِي: نَعَمْ كَانَ تَصْدِيقًا لَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ وَبَطَلَتْ بِهِ دَعْوَاهُ.
وَلَوْ قَالَ: بَلَى، كَانَ تَكْذِيبًا لَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ، وَلَمْ تَبْطُلْ بِهِ دَعْوَاهُ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ نَعَمْ جَوَابُ الْإِيجَابِ، وَبَلَى جَوَابُ النَّفْيِ.
وَهَذَا حُكْمُهُ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْعَرَبِيَّةِ.
وَفِي اعْتِبَارِهِ فِيمَنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَا وَجْهَانِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ.
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ لَا يُقِرَّ بِالدَّعْوَى وَلَا يُنْكِرَهَا، فَلَهُ حَالَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَكُونَ غَيْرَ نَاطِقٍ لِخَرَسٍ أَوْ صَمَمٍ.
فَإِنْ كَانَ مَفْهُومَ الْإِشَارَةِ صَارَ بِهَا كَالنَّاطِقِ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ النَّاطِقِ.
وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَفْهُومِ الْإِشَارَةِ صَارَ كَالْغَائِبِ فَيَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْغَائِبِ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَكُونَ نَاطِقًا فَامْتِنَاعُهُ مِنَ الْإِقْرَارِ وَالْإِنْكَارِ قَدْ يَكُونُ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ:
إِمَّا بِأَنْ يَقُولَ: لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ، وَإِمَّا بِأَنْ يَسْكُتَ فَلَا يُجِيبَ بِشَيْءٍ فَيَجْرِيَ عَلَيْهِ حُكْمُ النَّاكِلِ.
الصفحة 310
351