كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 16)
لَزِمَ الْمُتَنَازِعَيْنِ إِلَيْهِ حُكْمُهُ، وَكَانَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مَأْخُوذًا بِهِ مَا لَمْ يَتَعَدَّ الْحُكْمَ إِلَى غَيْرِ الْمُتَنَازِعَيْنِ.
وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَاضِي أَنْ يَرُدَّ حُكْمَهُ إِلَّا مَا يَرُدُّهُ مِنْ حُكْمِ غَيْرِهِ مِنَ الْقُضَاةِ.
وَإِذَا حَكَمَ بَيْنَهُمَا أَشْهَدَ بِهِ فِي الْمَجْلِسِ الَّذِي حَكَمَ فِيهِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُقْبَلُ عَلَيْهِمَا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ، كَمَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْحَاكِمِ بَعْدَ الْعَزْلِ.
فَإِنْ تَعَدَّى الْحُكْمُ إِلَى غَيْرِ الْمُتَنَازِعَيْنِ فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: مَا كَانَ مُنْفَصِلًا عَنِ الْحُكْمِ، وَلَا يَتَّصِلُ بِهِ إِلَّا عَنْ سَبَبٍ مُوجِبٍ كَتَحَاكُمِهِمَا إِلَيْهِ فِي دَيْنٍ فَأَقَامَ بِهِ مُدَّعِيهِ بَيِّنَةً شَهِدَتْ بِوُجُوبِ الدَّيْنِ، وَأَنَّ فُلَانًا ضَامِنُهُ لَزِمَ حُكْمُهُ فِي الدَّيْنِ وَلَمْ يَلْزَمْ حُكْمُهُ فِي الضَّمَانِ لِوُجُودِ الرِّضَا مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ وَعَلِمَ الرِّضَا مِمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْحُكْمِ، وَلَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ إِلَّا بِسَبَبٍ مُوجِبٍ كَتَحَاكُمِهِمَا إِلَيْهِ فِي قَتْلٍ خَطَأٍ قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ فَفِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ الَّتِي لَمْ تَرْضَ بِحُكْمِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ لِوُجُوبِهَا عَلَى الرَّاضِي بِحُكْمِهِ إِذَا قِيلَ إِنَّ الدِّيَةَ عَلَى الجاني ثم تَتَحَمَّلهَا عَنْهُ الْعَاقِلَةُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ الدِّيَةُ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِهِ إِذَا قِيلَ إِنَّ الدِّيَةَ تَجِبُ بِابْتِدَاءٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ.
وَإِذَا رَضِيَ الْمُتَنَازِعَانِ بِتَحْكِيمِ اثْنَيْنِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُ أَحَدِهِمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا فَإِنِ اخْتَلَفَا فِي الْحُكْمِ لَمْ يَنْفُذْ حُكْم وَاحِد مِنْهُمَا حَتَّى يَتَّفِقَا عَلَى الْحُكْمِ كَمَا اتَّفَقَا عَلَى النَّظَرِ.
وَإِنْ كَانَ التَّحْكِيمُ مِنَ الْمُتَنَازِعَيْنِ لِمَنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُمَا وَلَا عَلَيْهِمَا وَالَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُمَا وَالِدٌ وَوَلَدٌ وَالَّذِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِمَا عَدُوٌّ فَيَنْظُرُ: فَإِنْ حَكَمَ عَلَى مَنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ مِنْ وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ لِمَنْ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ مِنَ الْأَجَانِبِ جَازَ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ.
وَإِنْ حَكَمَ لِمَنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ مِنْ وَالِدٍ أَوْ وَلَدٍ عَلَى مَنْ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ مِنَ الْأَجَانِبِ فَفِي جَوَازِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ لَهُ، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِوِلَايَةِ الْقَضَاءِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بِوِلَايَةِ التَّحْكِيمِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَحْكُمَ لَهُ بولاية
الصفحة 327
351