كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 16)
خُلَفَائِهِ وَإِنْ سَمَّاهُ لِلْقَضَاءِ شَارَكَهُ فِيهِ خُلَفَاؤُهُ، بِحَسَبِ كِفَايَاتِهِمْ فِي النَّظَرِ وَكَثْرَةِ الْعَمَلِ، فَإِنْ عَزَلَ مَنِ اسْتَخْلَفَهُ وَقَامَ بِعَمَلِهِ جَازَ أَنْ يَأْخُذَ رِزْقَهُ، وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَهُ.
(فَصْلٌ)
: وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَنْهَاهُ الْإِمَامُ فِي التَّقْلِيدِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ سَوَاءٌ قَلَّ عَمَلُهُ أَوْ كَثُرَ، لَكِنَّهُ إِنْ قَلَّ عَمَلُهُ بَاشَرَ الْحُكْمَ فِيهِ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ، لِأَجْلِ الْمَنْعِ مِنْهُ، فَإِنِ اسْتَخْلَفَ فَلَا وِلَايَةَ لِخَلِيفَتِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْدِيَ خَصْمًا.
فَإِنْ حَكَمَ بَيْنَ خَصْمَيْنِ تَرَافَعَا إِلَيْهِ كَانَ كَالْحُكْمِ مِنَ الرَّعَايَا فِي جَوَازِ حُكْمِهِ. وَفِي لُزُومِهِ قَوْلَانِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي حُكْمِ الْمُحَكَّمِ.
وَإِنْ كَثُرَ عَمَلُهُ لَزِمَهُ إِعْلَامُ الْإِمَامِ بِعَجْزِهِ عَنِ النَّظَرِ فِي جَمِيعِهِ، لِيَكُونَ الْإِمَامُ بَعْدُ بَيْنَ خِيَارَيْنِ إِمَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ أَوْ يَقْتَصِرَ بِهِ عَلَى مَا يَقْدِرُ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ وَالنَّظَرِ فِيهِ، وَيَصْرِفُهُ عَمَّا عَدَاهُ.
وَلَمْ يَجُزْ لِلْإِمَامِ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنْ يَتْرُكَهُ عَلَى حَالِهِ.
وَأَوْلَى الْأَمْرَيْنِ بِالْإِمَامِ صَرْفُهُ عَنِ الزِّيَادَةِ لِيَكُونَ هُوَ الْمُتَوَلِّي لِلِاخْتِيَارِ، وَلَا يَرُدُّ الِاخْتِيَارَ إِلَى غَيْرِهِ، لِيَكُونَ عَلَى ثِقَةٍ مِنْ صِحَّةِ الِاخْتِيَارِ.
فَإِنْ لَمْ يَعْلَمِ الْإِمَامُ أَوْ أَعْلَمَهُ، فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ فَكَثْرَةُ عَمَلِهِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِصْرًا كَثِيرَ السَّوَادِ كَالْبَصْرَةِ فَيَكُونُ نَظَرُهُ مُخْتَصًّا بِالْبَلَدِ، اعْتِبَارًا بِالْعُرْفِ، وَلَهُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ أَهْلِ سَوَادِهِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْهِ فَإِنِ اسْتَعْدَى إِلَيْهِ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى أَقَلِّ مِنْ مَسَافَةِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَزِمَهُ إِحْضَارُهُ، لِخُرُوجِهِ عَنْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ فَصَارَ كَالْحَاضِرِ وَإِنْ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَأَكْثَرَ فَفِي وُجُوبِ إِحْضَارِهِ وَجْهَانِ مَضَيَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُ مُشْتَمِلًا عَلَى مِصْرَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ كَالْبَصْرَةِ وَبَغْدَادَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ فِي النَّظَرِ فِي أَيِّهِمَا شَاءَ لِاشْتِمَالِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِمَا.
فَإِذَا نُظِرَ فِي أَحَدِهِمَا فَفِي انْعِزَالِهِ عَنِ الْآخَرِ وَجْهَانِ مُحْتَمَلَانِ:
أَحَدُهُمَا: قَدِ انْعَزَلَ عَنْهُ لِتَعَذُّرِ حُكْمِهِ فِيهِ بِالْعَجْزِ فَصَارَ كَتَعَذُّرِ حُكْمِهِ بِآفَةٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ عَنْهُ وَيَكُونُ بَاقِيَ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِ لِصِحَّةِ الْوِلَايَةِ عَلَيْهِمَا مَعَ الْعَجْزِ عَنْهُمَا فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ.
الصفحة 330
351