كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 16)

عُرِفَ أَنَّهُ قَدْ سَاءَهُ ثُمَّ قَالَ: " يَا زُبَيْرُ احْبِسِ الْمَاءَ إِلَى الْجَدْرِ أَوْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ خَلِّ سَبِيلَ الْمَاءِ " فَنَزَلَ قَوْله تعالى {فلا وربك لا يؤمنون} أَيْ لَا يَعْلَمُونَ بِمَا يُوجِبُهُ الْإِيمَانُ {حَتَّى يحكموك} أَيْ يَرْجِعُوا إِلَى حُكْمِكَ {فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} أَيْ فِيمَا تَنَازَعُوا فِيهِ.
وَسُمِّيَتِ الْمُنَازَعَةُ مُشَاجَرَةً لِتَدَاخُلِ كَلَامِهِمَا كَتَدَاخُلِ الشَّجَرِ الْمُلْتَفِّ.
{ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قضيت} فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: شَكًّا، قَالَهُ مُجَاهِدٌ.
وَالثَّانِي: إثما قاله الضحاك: {ويسلموا تسليما} يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُسَلِّمُوا مَا تَنَازَعُوا فِيهِ لِحُكْمِكَ.
وَالثَّانِي: يَسْتَسْلِمُوا إِلَيْكَ تَسْلِيمًا لِأَمْرِكَ.
وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء: 58] .
وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} [المائدة: 49] .
(وَأَمَّا السُّنَّةُ)
:
فَرَوَى بِشْرُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي قَيْسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ " إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ " وَرَوَاهُ أَبُو سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
فَجَعَلَ لَهُ فِي الْإِصَابَةِ أَجْرَيْنِ هُمَا عَلَى الِاجْتِهَادِ وَالْآخَرِ عَلَى الْإِصَابَةِ، وَجَعَلَ لَهُ فِي الْخَطَأِ أَجْرًا وَاحِدًا عَلَى الِاجْتِهَادِ دُونَ الْخَطَأِ.
وَرَوَى أَبُو هَاشِمٍ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه قال: " القضاء ثَلَاثَةٌ: اثْنَانِ فِي النَّارِ وَوَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ: قَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ وَقَاضٍ قَضَى بِجَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ وَقَاضٍ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فَهُوَ فِي النَّارِ ".
وَرَوَى عَمْرُو بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الْقَاسِمِ حِينَ يَقْسِمُ وَمَعَ الْقَاضِي حِينَ يَقْضِي.

الصفحة 5