كتاب الحاوي الكبير (اسم الجزء: 17)

شهدا بزور أن رجلا طلق امرأته ثلاثا ففرق الحاكم بينهما كانت له حلالا غير أنا نكره أن يطأها فيحدا ويلزم من زعم أن فرقته فرقة تحرم بها على الزوج ويحل لأحد الشاهدين أن يتزوجها فيما بينه وبين الله عز وجل أن يقول لو شهدا له بزور أن هذا قتل ابنه عمدا فأباح له الحاكم دمه أن يريق دمه ويحل له فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. إِذَا حُكِمَ الْحَاكِمُ لِطَالِبِ حَقٍّ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ فَإِنْ كَانَا صَادِقَيْنِ كَانَ حُكْمُهُ صَحِيحًا فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ وَإِنْ كَانَا كَاذِبَيْنِ كَانَ حُكْمُهُ نَافِذًا فِي الظَّاهِرِ وَبَاطِلًا فِي الْبَاطِنِ، وَلَمْ يَحِلَّ لِلْمَحْكُومِ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، أَنْ يَسْتَبِيحَ مَا حَكَمَ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَالًا أَوْ فَرْجًا أَوْ قَتْلًا، وَهَكَذَا لَوْ طُولِبَ بِمَالٍ يُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ كَالْوَدَائِعِ، وَالشِّرَكِ، وَالْمُضَارَبَاتِ، فَأَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ إِنْكَارِهِ وَإِنْ كان صادقا برىء في الظاهر والباطن، وإن كان كاذبا برىء فِي الظَّاهِرِ دُونَ الْبَاطِنِ، وَلَمْ يَسْتَبِحْ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلَا يُحِيلُ حُكْمُ الْحَاكِمِ الْأُمُورَ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَنْفُذُ حُكْمُهُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ فِيمَا تَعَلَّقَ بِالْفُرُوجِ دُونَ الْقَتْلِ وَالْأَمْوَالِ حَتَّى قَالَ فِي شاهدين زُورٍ شَهِدَا لِرَجُلٍ بِنِكَاحِ امْرَأَةٍ حَلَّ لَهُ إِصَابَتُهَا وَوَرِثَهَا: إِنْ مَاتَتْ وَإِنْ عَلِمَ كَذِبَ الشَّاهِدَيْنِ.
وَقَالَ: لَوْ شَهِدَا بِزُورٍ عَلَى رَجُلٍ بِطَلَاقِ زَوْجَتِهِ حَلَّ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ، وَحَلَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ شَاهِدَيِ الزُّورِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِمَا، وَقَالَ فِي شَاهِدَيْ زُورٍ شَهِدَا لِرَجُلٍ أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ بِنْتُهُ ثَبَتَ نَسَبُهَا ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَصَارَ مَحْرَمًا لَهَا وَوَرِثَهَا إِنْ مَاتَتْ اسْتِدْلَالًا بِمَا رُوِيَ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى نِكَاحَ امْرَأَةٍ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَجَحَدَتْهُ فَشَهِدَ لَهُ بِنِكَاحِهَا شَاهِدَانِ، فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا بِالزَّوْجِيَّةِ، فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَاللَّهِ مَا تَزَوَّجَنِي. فَاعْقِدْ بَيْنَنَا عَقْدًا أَحِلَّ بِهِ لَهُ فَقَالَ: شَاهِدَاكِ زَوَّجَاكِ.
أَيْ: جَعَلَاكِ زَوْجَتَهُ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ مَا لَزِمَ بِهِ الْحُكْمُ أَنْفَذُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ كَشَاهِدَيِ الصِّدْقِ.
قَالُوا: وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ يَنْفُذُ مَعَ ظُهُورِ الصِّدْقِ، فَجَازَ أَنْ يُنْفَذَ مَعَ ظُهُورِ الْكَذِبِ كَاللِّعَانِ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ إِذَا نَفَذَ بَاجْتِهَادِهِ فِيمَا اخْتُلِفَ فِيهِ نُفِّذَ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، كَتَوْرِيثِ الْجَدِّ جَمِيعَ الْمَالِ مَعَ الْإِخْوَةِ، وَكَانْقِطَاعِ الْفُرْقَةِ فِيمَنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، وَجَازَ أَنْ يَسْتَبِيحَ الْمَحْكُومُ لَهُ بِذَلِكَ، وَإِنِ اعْتَقَدَ خِلَافَهُ كَذَلِكَ فِي الْمَحْكُومِ لَهُ بِشَهَادَةِ الزُّورِ، لِنُفُوذِ الْحُكْمِ بِهِمَا فِي الْحَالَيْنِ.

الصفحة 11