كتاب حاشية الروض المربع (اسم الجزء: 1)

صفة المسئول
ينبغي أن يكون عارفا بآثار السلف، ومقاصد أفعالهم، وحقيقة ما جاء به الكتاب والسنة وحقيقة المعقول الصحيح، الذي لا يتصور أن يناقض ذلك، عالما بقول من تقدمه، وإلا لم يمكنه أن يقول بمبلغ علمه، وإن كان عنده شواهد وبينات مما شاهده أو وجده أو عقله أو عمله، وذلك قد ينتفع به هو في نفسه إن وافق، فإن بصيرة المؤمن قد تنطق بالحكمة، وإن لم يسمع أثرا، فإذا جاء الأثر كان نورا على نور، وأما حجة الله على عباده فهي الكتاب والسنة.
إذا اجتهد
وإذا اجتهد الفاضل بحسب ما أدركه في زمانه ومكانه، وكان مقصوده متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحسب إمكانه، فبان له الحق، فله أجران، وإن اقتضى اجتهاده قولا آخر فعليه أن يعمل به، لا لأنه أمر بذلك القول، بل لأن الله أمره أن يعمل بما يقتضيه اجتهاده، وبما يمكنه معرفته، وهو لم يقدر إلا على ذلك، وهو مأجور غير مؤاخذ بما أخطأ، وهذا حكم من الله من جهة العمل بما قدر عليه من الأدلة، وإن كان في نفس الأمر دليل معارض راجح لم يتمكن من معرفته، فليس عليه اتباعه إلا إذا قدر عليه، فإن ظهور المدارك الشرعية للأذهان، وخفاءها أمر لا ينضبط وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع.
وتمكن
ومن تمكن من الحكم بنفسه بالقوة القريبة من الفعل، لكونه أهلا للاجتهاد فلا خلاف في أنه لا يجوز له تقليد غيره، سواء كان الغير أعلم منه أم لا، مع ضيق الوقت أو سعته، ويجب عليه اتباع النص، وإن لم يفعل كان متبعا للظن {وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ} ومن أكبر العصاة لله ولرسوله، ومن بلغته السنة، وتبين له حقيقة الحال لم يبق له عذر، ولا يجوز له أن يرغب عما شرعه الله ورسوله، لأجل اجتهاد غيره، وقد أجمع أهل العلم على تحريم التقليد بعد ظهور الحجة، وتحريم تقليد من ليس بأهل أن يؤخذ بقوله: أو تقليد واحد من الناس في جميع ما قال دون غيره.

الصفحة 14