كتاب حاشيتان لابن هشام على ألفية ابن مالك (اسم الجزء: 2)
قال: وإنما هو مِرْبَد واحد (¬١)، فثنَّاه مجازًا؛ لِمَا يتصل به من مُجَاوِرِه، أو سمَّى كلًّا من جانبَيْه مِرْبَدًا، ثم ثنَّاه، وأكَّده، وأنشد:
إِذَا البَيْضَةُ الصَّمَّاءُ عَضَّتْ صَفِيحَةً ... بجربانها (¬٢) صَاحَتْ صِيَاحًا وَصَلَّتِ (¬٣)
فأكَّد "صاحَتْ" بالمصدر، وهو مجازٌ.
وجعل من ذلك بعضُهم: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (¬٤) على مذهبه السَّوْء، وقال: ليس بحقيقةٍ، وقال المَوْصِليُّ (¬٥) -مع أنه من رؤوس المعتزلة-: ليس بمجازٍ، بل هو حقيقة، ونقل عن أبي الحَسَن (¬٦) أن الله سبحانه خَلَقَ رأسًا في الشجرة كلَّم به موسى، قال: وإذا أحدثه كان متكلمًا به. انتهى.
وما قالاه خطأٌ نقلًا وعقلًا، والعربيةُ تأباه، وهو يؤول ولا بدَّ إلى المجاز، ولْنَرجِعْ إلى ما كنا فيه.
وقال الله سبحانه: {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آيَاتِنَا كُلَّهَا} (¬٧)، وقال الشاعر (¬٨):
---------------
(¬١) هو كل موضع حبست فيه الإبل، وبه سمي الموضع الذي كان فيه سوق الإبل بالبصرة، ثم صار محلَّة عظيمة سكنها الناس، وكان فيها مفاخرات الشعراء، ثم تُرك وصار خرابًا. ينظر: معجم البلدان ٥/ ٩٨.
(¬٢) كذا في المخطوطة، والصواب ما في مصادر البيت: بحِرْبائِها.
(¬٣) بيت من الطويل، للعُجَير السَّلُولي. البيضة الصمَّاء: الدرع المصمتة، وصفيحة: سيف، والحِرْباء: مسمار الدرع، وصلَّت: صوَّتت، كما في: القاموس المحيط (ص ف ح) ١/ ٣٤٥، (ح ر ب) ١/ ١٤٧، (ص ل ل) ٢/ ١٣٥١، وتاج العروس (ب ي ض) ١٨/ ٢٥٧. ينظر: الديوان ٢١٦، والحيوان ٢/ ٤٢٩.
(¬٤) النساء ١٦٤.
(¬٥) الخصائص ٢/ ٤٥٦.
(¬٦) معاني القرآن ١/ ٢٦٩.
(¬٧) طه ٥٦.
(¬٨) هو مجنون ليلى.