وقال الآخر (¬٣):
وَقَالَتْ لَنَا: أَهْلًا
البيتَ (¬٤)، وهذا لقلَّته يجعلونه شاذًّا، ولو أجازه مُجيزٌ في حرف الجر، ومَنَعه من الظرف؛ كان مناسبًا لقول الكوفيِّ هِشَامٍ (¬٥): فيك لَأَرْغَبنَّ، وامتناعِهم من قولهم: خَلْفَك لَأَقومنَّ. انتهى.
وفي "الحَلَبِيَّات" (¬٦) في قولهم: هذا بُسْرًا أطيبُ منه رُطَبًا: لا يخلو العامل في "بُسْرًا" من أن يكون "هذا" أو "أطيبُ" أو مضمرًا -وهو "إِذْ كان"، أو "إذا كان"-:
لا جائزٌ أن يكون "أطيب" وقد تقدَّم عليه؛ لأن "أَفْعَلَ" هذا لا يَقْوى قوَّةَ الفعل، فيعملَ فيما قبله؛ ألا ترى أنك لا تجيز: ممَّن أنت أفضلُ؟ ولا: ممَّن أفضلُ أنت؟ فتقدِّمَ الجارَّ عليه؛ لضَعْفه أن يعمل فيما تقدَّمه؟ وإذا لم يعملْ فيما كان متعلقًا بحرف جرٍ إذا تقدَّم -مع أَنَّ ما يكون متعلقًا بحرف الجر قد يعمل فيه ما لا يعمل في غيره، نحو: هذا مارٌّ بزيدٍ أمسِ، و: هذا معطي (¬٧) زيدًا أمسِ درهمًا- فأَنْ لا يعمل فيما لا يتعلق بحرف الجر ممَّا يشابه المفعولَ به أَوْلى، فأما قول الفَرَزْدَق:
---------------
(¬١) ما بين المعقوفين ليس في المخطوطة، وهو في مصادر البيت، وبه يستقيم الوزن.
(¬٢) بيت من الطويل. ينظر: الديوان بشرح الصاوي ١/ ٣٢، وشرح النقائض ٣/ ٧٦٥، والتذييل والتكميل ٩/ ١١١، والمقاصد النحوية ٤/ ١٥٣٩.
(¬٣) هو الفرزدق.
(¬٤) بعض بيت من الطويل. وهو بتمامه:
وقالت لنا: أهلًا وسهلًا وزوَّدتْ ... جَنَى النحلِ أو ما زوَّدتْ منه أطيبُ