كتاب حز الغلاصم في إفحام المخاصم عند جريان النظر في أحكام القدر

وَكَذَلِكَ الْخَبَر الْأُخَر عَن أحد عباد بني إِسْرَائِيل عِنْدَمَا رأى بعض العصاة قد ارْتكب بعض الْمعاصِي فَقَالَ وَالله لَا يغْفر الله لهَذَا ابدا فَأوحى الله إِلَى نَبِي ذَلِك الزَّمَان قل للعابد أَنْت المتالي عَليّ لَا أَغفر قد غفرت لَهُ وأحبطت عَمَلك فاستأنف الْعَمَل فَلم يكن لأحد الْخَوْض فِي تعْيين قدر الله تَعَالَى إِلَّا بِالْوَحْي مِنْهُ سُبْحَانَهُ فَهَذَا أحد التكليفين وَهُوَ إِقَامَة الْإِيمَان بِالْقدرِ على حُدُوده
وَأما التَّكْلِيف الثَّانِي فالتزام أَحْكَام الشَّرِيعَة أقداما وإنكفافا فَإِذا نَهَانَا الشَّرْع عَن تنَاول السمائم والتوجي بالحدائد انزجرنا عَن ذَلِك ولانقول لَعَلَّ الْأَجَل لم يحضر وَالسُّيُوف مأمورة وَلَا صَاد إِلَّا الله وَلَعَلَّ الْجَارِي فِي قدر الله دوَام الْبَقَاء وَلَا يكون إِلَّا الْمَقْدُور فالحال فِي التكوين هَذَا لَكِن لَا بُد من إِعْطَاء النَّهْي الشَّرْعِيّ حَقه والانكفاف عَن المهلكات فِي الْعَادة وَكَذَلِكَ فِي الْوُقُوف عَن امْتِثَال الْأَوَامِر وَترك التَّوَجُّه إِلَى الْحَج مثلا فِي أَوَانه حِين تعين التَّكْلِيف وَترك النهوض إِلَى الصَّلَوَات إعتمادا على ان الله سُبْحَانَهُ إِذا قضى الْأَثر بموضوع فَلَا بُد من بُلُوغه وَإِذا قدر النهوض إِلَى الصَّلَاة فَلَا بُد من وُقُوعه فَلَا بُد من النهوض للْقِيَام بِحُقُوق الْعِبَادَات على مَا جرت بِهِ الْعَادَات فَمن أخل بذلك أخل بِوَاجِب الْعِبَادَة وَهُوَ تَكْلِيف يجْرِي على الْجَوَارِح والأعضاء
وَمن هَذَا الْجِنْس قَول الْقَائِل إِن قدر أَنِّي من أهل السَّعَادَة فقد حصلت وَإِن قدر عَليّ الشقاوة فَلَا يَنْفَعنِي العناء الناجز وَترك الشَّهَوَات الَّتِي النَّفس إِلَيْهَا تائقة فَأَكُون قد جمعت على نَفسِي بلاءين حرمانها شهواتها ومحبوباتها فِي العاجل وحرمانها بِمَا جرى عَلَيْهَا الْقَضَاء فِي الْأَجَل فَلَيْسَ الْحَال على ذَلِك وَالْقدر نَافِذ على كل الْأَحْوَال والقيم بِحُقُوق الْوَاجِبَات
والتكاليف هُوَ وَظِيفَة الْحَاضِر وَهُوَ معنى قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لمن قَالَ لَهُ أَفلا نَتَّكِل على كتَابنَا وَنَدع الْعَمَل فَقَالَ لَا إعملوا وسددوا وقاربوا فَكل ميسر لما خلق لَهُ

الصفحة 122