كتاب حز الغلاصم في إفحام المخاصم عند جريان النظر في أحكام القدر

رَجعْنَا إِلَى مَا جرى بَين الْمَجُوسِيّ والقدري
فَإِن هَذَا الْكَلَام جرى فِي عرض مَا اوردناه لِأَنَّهُ يشاكله فاستوفينا الْمَقْصُود فِيهِ قَالَ القدري للمجوسي مَا لَك لَا تسلم فَقَالَ الْمَجُوسِيّ حَتَّى يُرِيد الله فَقَالَ القدري قد اراد الله وَلَكِن إِبْلِيس اللعين لَا يدعك فَمَا أحسن جَوَاب الْمَجُوسِيّ للقدري قَالَ إِن كَانَ الله يُرِيد إسلامي وَلم يردهُ إِبْلِيس فَكَانَ الَّذِي اراده إِبْلِيس دون مَا أَرَادَهُ الله فَأَنا مَعَ أقواهما فبهت القدري وَهَذَا دَلِيل التمانع فِي إِقَامَة الدَّلِيل على تَوْحِيد الله تَعَالَى لِأَن الْعلمَاء فرضوا هَذِه الْمَسْأَلَة على من يَقُول أَن للْعَالم إِلَهَيْنِ بِأَن قَالُوا لَو كَانَ للْعَالم إلهان لَكَانَ أَحدهمَا إِذا اراد حَيَاة جسم مَا وَأَرَادَ الآخر إماتته فَإِن تمّ مُرَاد أَحدهمَا دون الآخر فَهُوَ الْإِلَه حَقًا لنفوذ إِرَادَته ومشيئته وَالْآخر لَيْسَ بإله لقُصُور مَشِيئَته وعجزه ومحال أَن يتم مرادهما جَمِيعًا لِاسْتِحَالَة الْجمع بَين الضدين فَلَا يكون الْجِسْم حَيا مَيتا فِي حَال وَاحِد أبدا فَلَا بُد أَن ينفذ مُرَاد احدهما دون الآخر فَالَّذِي تمّ مُرَاده وغلبت مَشِيئَته هُوَ الْإِلَه فَاعْلَم ذَلِك وكرره فَهُوَ عِنْد الْعلمَاء النظار دَلِيل التَّوْحِيد وَهُوَ دَلِيل التمانع وَهُوَ مَضْمُون قَوْله تَعَالَى فِيمَا أرشدنا إِلَيْهِ {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا}
وَقَالَ آخر
مَسَاكِين الْقَدَرِيَّة أَرَادوا أَن يصفوا الرب سُبْحَانَهُ بِالْعَدْلِ وَسموا نفسوهم العدلية فوصفوه بِالْعَجزِ وَذَلِكَ أَن قَول الْقَدَرِيَّة وإعتقادهم أَن الله سُبْحَانَهُ أَرَادَ من خلقه أجميعن الايمان وَالطَّاعَة وَأَن إِبْلِيس أَرَادَ مِنْهُم الْكفْر والعصيان وَإِذا تَأَمَّلت مرادات إِبْلِيس فِي الدُّنْيَا وَجدتهَا أَكثر من مرادات الله سُبْحَانَهُ فَإِذا كَانَ الله تَعَالَى قد

الصفحة 31