كتاب حز الغلاصم في إفحام المخاصم عند جريان النظر في أحكام القدر

الْمَالِك الْحَقِيقِيّ المشرع الَّذِي ارسل إِلَيْهِ وَإِلَى سَائِر خلقه الرُّسُل وحد لَهُم الْحُدُود وَأمر وَنهى ووعد وأوعد
بل إِذا قتل الْإِنْسَان نَفسه أدخلهُ النَّار وَقَالَ لَهُ لم تعديت على ملكي وتصرفت فِيهِ بِغَيْر إذاني فلأدخلنك نَارِي ولأوجبن عَلَيْك سخطي
والقدرية يذهلون عَن هَذِه الْأُمُور الالهية وَالْحكمَة الربانية ويقيسون عدل الْخَالِق على عدل الْمَخْلُوق فَمَا كَانَ مِنْهُم قبيحا عِنْدهم فَمثله عِنْدهم من الله قَبِيح وَهُوَ سُبْحَانَهُ {لَا يسْأَل عَمَّا يفعل وهم يسْأَلُون} وَلَا يُقَاس عدله بِعدْل الْعباد كَمَا قَالَ أَبُو حَامِد الْغَزالِيّ إِذْ العَبْد يتَصَوَّر مِنْهُ الظُّلم بتصرفه فِي ملك غَيره وَلَا يتَصَوَّر الظُّلم من الله سُبْحَانَهُ فَإِنَّهُ لَا يُصَادف لغيره ملكا حَتَّى يكون تصرفه فِيهِ ظلما فَكل مَا سواهُ من جن وإنس وَملك وَشَيْطَان وسماء وَارْضَ وحيوان ونبات وجوهر وَعرض ومدرك ومحسوس حَادث إخترعه بقدرته بعد أَن لم يكن فَإِذا تصرف فِي ملكه كَيفَ يُقَال لَهُ ظلمت وَلَو أَنه سُبْحَانَهُ حَيْثُ خلق أَبَانَا آدم عَلَيْهِ السَّلَام من قِطْعَة من الطين أَعَادَهُ إِلَى النَّار فَمن ذَا الَّذِي يَقُول أَنه ظلمه وَهُوَ مَالِكه وموجده ومحدثه جلّ رَبنَا وتقدس عَمَّا يضيفه إِلَيْهِ الْمُلْحِدُونَ وَتَعَالَى علوا كَبِيرا
وَاعْلَم رَحِمك الله وَيسر لَك فهم كِتَابه الْعَزِيز وسره فِي قدره وَحكمه فِي خلقه وتصاريفه فِي تَدْبيره إِنَّك إِذا تَأَمَّلت آيَتَيْنِ من الْكتاب الْعَزِيز فكفتاك إِحْدَاهمَا
قَوْله تَعَالَى {قاتلوهم يعذبهم الله بِأَيْدِيكُمْ}
وَالْأُخْرَى قَوْله تَعَالَى {فَلم تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِن الله قَتلهمْ وَمَا رميت إِذْ رميت وَلَكِن الله رمى}

الصفحة 33