كتاب حز الغلاصم في إفحام المخاصم عند جريان النظر في أحكام القدر

وَلَقَد ورد فِي الْأَخْبَار أَن قدريا حضر عِنْد ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ
يتَكَلَّم فِي تَفْسِير الْقُرْآن وَالنَّاس يسألونه فَقَالَ يَا ابْن عَبَّاس لي مولى هُوَ قَادر على هدايتي وعصمتي وتوفيقي وإرشادي فَمَنَعَنِي الْهِدَايَة والعصمة والتوفيق والارشاد أَلَيْسَ قد ظَلَمَنِي وأساء إِلَيّ فتفطن لَهُ ابْن عَبَّاس فَقَالَ مُوَافقا لجَعْفَر الصَّادِق رَضِي الله عَنْهُمَا فِي جَوَابه للقدري الَّذِي قَالَ لَهُ تَعَالَى الله أَن يخلق الْفَحْشَاء الْخَبَر الَّذِي قدمْنَاهُ فِي صدر الْكتاب يَا هَذَا إِن مَنعك مَوْلَاك الْهِدَايَة والعصمة والتوفيق والارشاد وَهِي حق وَجب لَك فقد ظلم وأساء وَإِن كَانَت الْهِدَايَة والارشاد والعصمة والتوفيق حَقًا لَهُ فَإِنَّهُ يخْتَص برحمته من يَشَاء وفيهَا {أتريدون أَن تهدوا من أضلّ الله وَمن يضلل الله فَلَنْ تَجِد لَهُ سَبِيلا} وَلَا أحد يضل نَفسه وَلَا يضله غَيره من المخلوقين وَإِنَّمَا المضل الْهَادِي هُوَ الله وَحده دون جَمِيع خلقه من الانس وَالْجِنّ وَالْمَلَائِكَة وَالشَّيَاطِين وَسَائِر الْخلق أَجْمَعِينَ وَمن نسب إِلَيْهِ مِنْهُم ضلال فَإِنَّمَا نسب إِلَيْهِ مجَازًا لَا حَقِيقَة إِذْ كَانَ هُوَ السَّبَب الظَّاهِر لِلْخلقِ كَمَا قَالَ تَعَالَى
{فَإنَّا قد فتنا قَوْمك من بعْدك وأضلهم السامري} وفيهَا {وَلَوْلَا فضل الله عَلَيْك وَرَحمته لهمت طَائِفَة مِنْهُم أَن يضلوك وَمَا يضلون إِلَّا أنفسهم وَمَا يضرونك من شَيْء}

سُورَة الْمَائِدَة من ذَلِك قَوْله تَعَالَى {وَمن يرد الله فتنته فَلَنْ تملك لَهُ من الله شَيْئا} جَاءَ فِي التَّفْسِير إضلاله {أُولَئِكَ الَّذين لم يرد الله أَن يطهر قُلُوبهم}

الصفحة 55