كتاب حز الغلاصم في إفحام المخاصم عند جريان النظر في أحكام القدر

{اقعدوا} على ظَاهره لكانوا مأمورين بالقعود وَكَانُوا طائعين وممدوحين بامتثال الْأَمر وَلَكِن لَيْسَ أَمرهم سُبْحَانَهُ بالقعود وَإِنَّمَا خلق فيهم الْقعُود وَكَذَلِكَ قَوْله {كره الله انبعاثهم} وَقَوله {فَثَبَّطَهُمْ} هُوَ الْفَاعِل لذَلِك كُله {وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ}
والقدرية مَا عرفُوا الله حق مَعْرفَته وَلَا قدرُوا الله حق قدره فبعدا لَهُم وَسُحْقًا فَمَا أجهلهم بِصِفَات الله خالقهم وَمَا أنكرهم لأفعال رَبهم ومالكهم فسبحان الله عَمَّا يصفونَ وَجل جَلَاله عَمَّا يأفكون

سُورَة يُونُس عَلَيْهِ السَّلَام قَوْله تَعَالَى {إِن الَّذين حقت عَلَيْهِم كلمة رَبك لَا يُؤمنُونَ وَلَو جَاءَتْهُم كل آيَة حَتَّى يرَوا الْعَذَاب الْأَلِيم}
وَقَالَت الْقَدَرِيَّة من اراد أَن يُؤمن آمن لِأَن الْحول وَالْقُوَّة وَالِاخْتِيَار بِيَدِهِ
وَقَالَ {وَلَو شَاءَ رَبك لآمن من فِي الأَرْض كلهم جَمِيعًا أفأنت تكره النَّاس حَتَّى يَكُونُوا مُؤمنين} وَلم يبْق بعد هَذَا للقدرية كَلَام وَهَذَا حَدِيثه مَعَ سيد الْأَوَّلين والآخرين لِحِرْصِهِ على إِيمَانهم أخبرهُ جلّ جَلَاله أَن مَا هَذَا إِلَيْك وَلَا إِلَيْهِم إِنَّمَا هُوَ مَعْقُود بِمَشِيئَة الله تَعَالَى ومنوط بإرادته كَمَا قَالَ لَهُ فِي مَوضِع آخر {فَلَا تذْهب نَفسك عَلَيْهِم حسرات}
وكما قَالَ لَهُ لما عظم عَلَيْهِ إعراضهم عَنهُ {وَإِن كَانَ كبر عَلَيْك إعراضهم فَإِن اسْتَطَعْت أَن تبتغي نفقا فِي الأَرْض أَو سلما فِي السَّمَاء فتأتيهم بِآيَة وَلَو شَاءَ الله لجمعهم على الْهدى فَلَا تكونن من الْجَاهِلين}

الصفحة 65