كتاب حز الغلاصم في إفحام المخاصم عند جريان النظر في أحكام القدر

وَقَالَت الامامية مِنْهُم فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَو شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها} الْآيَة إِنَّه يجوز أَن يُرِيد هداها إِلَى طَرِيق الْجنَّة فِي الْآخِرَة وَلم يُعَاقب أحدا لَكِن حق القَوْل مِنْهُ أَنه يمْلَأ جَهَنَّم فَلَا يجب على الله عندنَا هِدَايَة الْكل إِلَيْهَا قَالُوا بل الْوَاجِب هِدَايَة المعصومين فَأَما من لَهُ ذَنْب فَجَائِز هدايته إِلَى النَّار جَزَاء على أَفعاله وَفِي جَوَاز ذَلِك منع لقطعهم على أَن المُرَاد هداها إِلَى الْإِيمَان
فَنَقُول قَوْله تَعَالَى {وَلَو شِئْنَا لآتينا كل نفس هداها} أخبر سُبْحَانَهُ إِن لَو شَاءَ لآتى كل نفس هداها الَّذِي هُوَ نَافِع لَهَا فِي معادها وَالْهدى النافع فِي الْمعَاد هُوَ الْإِيمَان وَالطَّاعَة الْوَاقِع على جِهَة الِاخْتِيَار لَا على جِهَة الِاضْطِرَار وَقد تكلم الْعلمَاء عَلَيْهِم فِي هذَيْن التَّأْويلَيْنِ مَا فِيهِ كِفَايَة لَا سِيمَا فِي كتاب الاملاء للشَّيْخ الْفَقِيه الْعَالم الأوحد أبي الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن الْحُسَيْن بن الْحباب رَحْمَة الله عَلَيْهِ فَإِنَّهُ كَلَام ممتع فِي الْكَلَام عَلَيْهِم فِي هَذَا الْفَنّ فِي كل آيَة أوردت حجَّة عَلَيْهِم أَو شُبْهَة لَهُم فاطلبه تظفر بالمطلوب إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَالَّذِي لَا بُد مِنْهُ فِي هَذِه اللمحة المختصرة أَن يُقَال فقد بَطل عندنَا وعندكم أَن يهْدِيهم الله سُبْحَانَهُ على طَرِيق الإلجاء لِأَن الالجاء هُوَ الْإِكْرَاه والإجبار فَصَارَ ذَلِك يُؤَدِّي إِلَى مَذْهَب الجبرية وَهُوَ مَذْهَب رذل عندنَا وعندكم فَلم يبْق إِلَّا أَن المهتدين من الْمُؤمنِينَ إِنَّمَا هدَاهُم الله إِلَى الْإِيمَان وَالطَّاعَة على طَريقَة الِاخْتِيَار حَتَّى يَصح التَّكْلِيف فَمن شَاءَ آمن وأطاع إختيارا لَا جبرا قَالَ الله تَعَالَى {لمن شَاءَ مِنْكُم أَن يَسْتَقِيم} وَقَالَ تَعَالَى {فَمن شَاءَ اتخذ إِلَى ربه سَبِيلا} تمّ عقب هَاتين الْآيَتَيْنِ بقوله تَعَالَى {وَمَا تشاؤون إِلَّا أَن يَشَاء الله}

الصفحة 87