كتاب حز الغلاصم في إفحام المخاصم عند جريان النظر في أحكام القدر

{وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ} أَي وعملكم و {زينا لكل أمة عَمَلهم} و {حبب إِلَيْكُم الْإِيمَان وزينه فِي قُلُوبكُمْ} و {لَا تمنوا عَليّ إسلامكم بل الله يمن عَلَيْكُم أَن هدَاكُمْ للْإيمَان}
وأمثالها فِي الْقُرْآن كثير وَقَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كنز من كنوز الْجنَّة لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه قَالَ أَتَدْرُونَ مَا تَفْسِيرهَا لَا حول عَن مَعْصِيّة الله وَلَا قُوَّة على طَاعَة الله إِلَّا بِاللَّه وَقَوله عَلَيْهِ السَّلَام إِن الله خَالق كل صانع وصنعته
وَشبه هَذِه الْمَسْأَلَة مَسْأَلَة الْكَلَام أَنه حرف وَصَوت وَاخْتلفُوا فِي إِجْرَاء صفة الْكَلَام على الله تَعَالَى فَقَالَت الحشوية هُوَ من صِفَات الله تَعَالَى هربا من أَن يَجْعَلُوهُ مُحدثا وَقَالَت الْمُعْتَزلَة هُوَ من صِفَات أَفعاله هربا من أَن يجْعَلُوا الصَّوْت والحرف قَدِيما فوصفت الحشوية رَبهَا بِأَنَّهُ فِي أزل أزله مُتَكَلم بِصَوْت وحرف وَقَالَت الْمُعْتَزلَة إِن كَلَام مُحدث مَخْلُوق فلزمهم أَن يكون جلّ جَلَاله قبل أَن يحدث كَلَامه إِمَّا ساكتا وَإِمَّا أخرس وَكِلَاهُمَا صفتا ذمّ تَعَالَى الله عَن قبولهما وَكَونه متكلما صفة كَمَال وَهُوَ أَحَق أَن يُوصف بهَا وَيلْزم الْمُعْتَزلَة لما أحدث كَلَامه إِمَّا أَن يكون أحدثه فِي ذَاته فَيصير محلا للحوادث وَإِذا كَانَ محلا للحوادث وَجب أَن يكون مُحدثا وإم أَن يكون خلقه وأحدثه لَا فِي مل وَهَذَا يُوجب قيام الصّفة بِنَفسِهَا لَا فِي مَحل وَهُوَ مُسْتَحِيل وَإِمَّا أَن يكون خلق كَلَامه وأحدثه فِي غَيره كَمَا قَالَ بَعضهم خلقه فِي الشَّجَرَة فيلزمهم أَن تكون الشّجر هِيَ المكلمة لمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَأَن تكون هِيَ القائلة أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا فاعبدني وَهُوَ بَاطِل أَيْضا وَإِنَّمَا أعمت قُلُوبهم أَنه وَردت فِي كتاب الله تَعَالَى لم يفقهوا وَهِي قَوْله تَعَالَى

الصفحة 89