كتاب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

مجيبينَ له، فأتيناه فسلَّمنا عليه فلم يردَّ سلامَنَا، فتصدَّيْنَا لكلامه نهارًا طويلًا، فأعيانا أن يكلِّمنا، فما الرأيُ منكما: أنعودُ، أم نَرْجعُ إليه؟ فقالا لعليِّ بنِ أبي طالبٍ، وهو في القوم: ما ترى يا أبا الحَسَنِ في هؤلاء القوم؟ فقال عليٌّ لعثمان وعبدالرحمن: أرى أنْ يضعوا حُلَلَهم هذه وخواتِيْمَهم، ويلبسوا ثيابَ سَفَرِهم، ثم يعودون إليه.
ففعل وفد نجرانَ ذلك، ووضعوا حُلَلَهم وخواتيمَهم، ثم عادوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلَّموا عليه فردَّ عليهم سلامهم، ثم قال: "والذي بعثني بالحقِّ لقد أتَوْني المرةَ (¬١) الأولى وإنَّ إبليس لَمَعَهُمْ". ثم سألهم وسألوه، فلمِ تزل به وبهم المسألة حتى قالوا له: ما تقولُ في عيسى، فإنَّا نحبُّ أن نَعْلَمَ ما تقول فيه؟ فأنزل الله -عز وجل-: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٥٩) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: ٥٩ - ٦١]. فأبوا أن يُقِرُّوا بذلك.
فلما أصبحَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الغد، بعد ما أخبرَهم الخبرَ، أقبل مشتملًا على الحَسَنِ والحُسَيْن في خميلةٍ له، وفاطمةُ تمشي عند ظهره، إلى الملاعَنَةِ، وله يومئذ عِدَّة نسوةٍ، فقال شُرَحْبِيْل لصاحبه: يا عبد الله بن شرجبيل ويا جبار بن فيض، لقد علمتما أنًّ الوادي إذا اجتمع أعلاه وأسفله لم يَرِدُوا ولم يَصْدُرُوا إلا عن رأيى، وإنّي -والله- أرى أمرًا مُقْبِلًا، والله لئن كان هذا الرجل ملِكًا مبعوثًا فكنا أولَ العرب طعن في
---------------
(¬١) في "غ": "المدة".

الصفحة 107