كتاب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
عينه وردَّ عليه أمرَه: لا يذهبُ لنا من صدره ولا من صدور قومه حتى يصيبنا (¬١) بجائحةٍ، وإنَّا لأدْنَى العرب منهم جوارًا، ولئن كان هذا الرجل نبيًّا مرسلًا فَلَاعَنَّاهُ = لا يبقى على وجه الأرض منَّا شعرةٌ ولا ظُفُر إلا هلَكَ.
فقال له صاحباه: فما الرأيُ يا أبا مريم؟ فقد وَضَعَتْكَ الأمور على ذراِع فهاتِ رأيك. فقال: رأي أنْ أُحَكِّمَهُ، فإِنّي أرى الرَّجلَ لا يحكم شَططا أبدًا، فقالا له: أنت وذاك، فَلَقِيَ شرحبيلُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: إنِّي قد رأيتُ خيرًا من مُلاعَنَتِكَ. فقال (¬٢) : "ما هو"؟ قال شرحبيل: حَكَّمْتُك اليومَ إلى الليل، وليلتك إلى الصباح؛ فمهما حَكَمْتَ فينا فهو جائز، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لعلَّ وراءك أحدًا يُثَرِّبُ عليك"؟ فقال له شرحبيل: سَلْ صَاحِبَيَّ فسألهما، فقالا: ما نَرِدُ الموارد، ولا نَصْدُرُ المصادِرَ إلا عن رأي شُرَحْبِيْل.
فرجعَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يُلَاعِنْهم، حتى إذا كان الغد أتَوْه، (فكتب لهم كتابَ صلحٍ ومُوَادَعَةٍ، فقبضوا كتابهم وانصرفُوا) (¬٣) إلى نجرانَ، فتلقَّاهم الأُسْقُفُّ ووجوه نجران على مسيرةِ ليلةٍ من نجران (¬٤) ، ومع الأُسقف أخٌ له من أمه وهو ابن عمه من النسب، يقال له: أبو علقمة، فدفع الوَفْدُ كتابَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الأُسقف، فبينا هو يقرؤه وأبو علقمة معه وهما يسيران، إذْ كَبَتْ بأبي علقمةَ ناقَتُه، فَتَعَّسَ، غير أنَّه لا يَكْنِي عن
---------------
(¬١) في "غ": "يصيّرنا".
(¬٢) في "غ": "فقالوا".
(¬٣) ساقط من "غ".
(¬٤) "من نجران" ساقطة من "غ".