كتاب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

وعَلَتِ الدعوةُ الإسلاميَّة وارتفعت غايةَ الارتفاع والاعتلاء، بحيث صار أصلها ثابتًا، وفرعها في السماء، فتضاءلت لها جميع الأديان، وخَرَّت (¬١) تحتها الأممُ منقادةً بالخضوع والذلِّ والإذعانِ، ونادى المنادي بشعارها في جوِّ السماء بين الخافِقَيْن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صارخًا بالشهادتين، حتى بطلت دعوة الشيطان، وتلاشت (¬٢) عبادة الأوثان، واضمحلَّت عبادة النيران، وذل (¬٣) المثلِّثة عُبَّاد الصُّلْبان، وتقطَّعت الأمةُ الغضبيَّة في الأرض كتقطُّع السَّراب في القِيْعَان.
وصارت كلمة الإسلام العليا، وصار له في قلوب الخلائق المثل الأعلى، وقامتْ براهينُه وحججُه على سائر الأمم في الآخرة والأولى، وبلغت منزلتُه في العُلَى والرفعة (¬٤) الغايةَ القُصْوى، وأقام لدولته (¬٥) ومصطفيه أعوانًا وأنصارًا، نشروا ألويتَهُ وأعلامَهُ، وحفظوا من التغيير والتبديل حدودَهُ وأحكامَهُ، وبلَّغوا إلى نظرائهم -كما بلَّغ إليهم مَنْ قَبْلَهُم- حلالَه وحرامَهُ، فعظَّموا شعائره، وعلَّموا شرائعه، وجاهدوا أعداءه بالحجة والبيان حتى اسْتَغْلَظَ وَاسْتَوَى على سُوْقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ويَغِيظُ الكُفَّارَ.
وعلا بنيانُه المؤسَّسُ على تقوى من الله ورضوان، إذْ (¬٦) كان بناء
---------------
(¬١) في "ب، غ، ص": "وجرت".
(¬٢) في "غ": "تداشت".
(¬٣) بهامش "ب" عن نسخة أخرى: "وذلت".
(¬٤) في "ب، ج، غ": "العلو والدفعة".
(¬٥) في "ب، ج": "له وإليه".
(¬٦) في "ب": "إذا".

الصفحة 11