كتاب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

غيره مؤسَّسًا على شفا جُرُفٍ هارٍ، فتبارك الذي رفع منزلته، وأعلى كلمتَه، وفخَم شأنَه، وأشاد بنيانَه، وأذلَّ مُخَالفيه ومُعَانديه، وكَبَتَ من يُبْغِضه ويُعادِيه، ووسمهم بأنَّهم شَرُّ الدوابِّ، وأعدَّ لهم -إذا قدموا عليه- أليمَ العقاب (¬١) ، وحكم لهم بأنهم أضلُّ سبيلًا من الأنعام، إذِ استبدلوا الشركَ بالتوحيد، والضلالَ بالهدى، والكفرَ بالإسلام، وحكم -سبحانه- لعلماء الكفر وعباده حكمًا يشهد ذوو العقول بصحته ويرونه شيئًا حسنًا، فقال تعالى:
{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (١٠٣) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (١٠٤) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا (١٠٥) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا} [الكهف: ١٠٣ - ١٠٦].
فصل (¬٢)
فأين يذهب مَنْ تولَّى عن توحيد ربّه وطاعته، ولم يرفع رأسًا بأمره ودعوته، وكذَّب رسولَه وأعرضَ عن متابعته، وحادَ عن شريعته، ورَغِبَ عن ملَّتِه واتَّبع غير سُنَّتِه، ولم يستمسك (¬٣) بعهده، ومكَّن الجهلَ من نفسه، والهوى والعنادَ من قلبِه، والجحودَ والكفرَ مِنْ صَدْرهِ، والعصيانَ والمخالفةَ مِنْ جوارحه، فقد قابل خبر الله بالتكذيب، وأمْرَهُ بالعصيان، ونهيَه بالارتكاب، يَغْضَبُ الربُّ وهو راضٍ، ويرضى وهو غضبان، يحبُّ ما يبغض، ويبغض ما يحبُّ، ويوالي من يعاديه، ويعادي من
---------------
(¬١) في هامش "ب": "العذاب".
(¬٢) زيادة في "غ، وب".
(¬٣) في "ج": "يتمسك".

الصفحة 12