كتاب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
كما قال تعالي: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي (٣) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَي (٤) } [النجم: ٣، ٤]. أي: ما نُطْقُه إلا وحيٌ يُوحَي.
وهذا مطابقٌ لقول المسيح: إنَّه لا يتكلَّم من تلقاء نفسه بِل إنما يتكلم بما يُوحي إليه. والله تعالي أمره أن يبلِّغ ما أُنزل إليه، وضمِنَ له العصمةَ في تبليغ رسالاته، فلهذا أرشد الناس إلي جميع الحقِّ وألقَي للناس ما لم يمكن (¬١) غيرَه من الأنبياء إلقاؤه خوفًا أن يقتله قومه، وقد أخبر المسيح بأنه لم يذكر لهم جميع ما عنده، وأنَّهم لا يُطيقون حَمْلَه، وهم معترفون بأنَّه كان يخاف منهم إذا أخبرهم بحقائق الأمور.
ومحمد - صلى الله عليه وسلم - أيَّده الله -سبحانه- تأييدًا لم يؤيِّده لغيره: فَعَصَمَه من الناس حتي لم يَخَفْ من شيءٍ يقوله، وأعطاه من البيان والعلم ما لم يؤتهِ غيرَه، وأيَّد أمته تأييدًا أطاقتْ به حَمْلَ ما ألقاه إليهم، فلم (¬٢) يكونوا كأهل التوراة الذين حُمِّلوا التوراةَ ثم لم يحملوها، ولا كأهل الإنجيل الذين قال لهم المسيح: "إن لي كلامًا كثيرًا أريد أن أقوله لكم، ولكن لا تستطيعون حَمْلَه".
ولا ريب أن أمة محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - أكْمَلُ عقولًا، وأعْظمُ إيمانًا، وأَتمُّ تصديقًا وجهادًا، ولهذا كانت علومُهم وأعمالُهم القلبية وإيمانُهم أعْظَمَ، وكانت العباداتُ البدنيَّة لغيرهم أعظم.
وأيضًا: فإنَّه أخبر عن الفارقليط أنَّه شهد (¬٣) له، وأنَّه يعلِّمهم كلَّ
---------------
(¬١) في "غ": "يكن".
(¬٢) في "غ": "وفي سائر النسخ: "فلا".
(¬٣) في "غ": "يشهد".