كتاب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)
شيء، وأنَّه يذكرهم كلَّ ما قال المسيحُ. ومعلومٌ أنَّ هذا لا يكون إلا إذا شهد له شهادةً يسمعها الناس، لا يكون هذا في قلب طائفةٍ قليلةٍ.
ولم يشهد أحدٌ للمسيِح شهادةً سمعها عامَّةُ الناس إلا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإنه أظْهَرَ أمْرَ المسيحِ، وشهِدَ له بالحقِّ حتي سمع شهادتَهُ له عامةُ أهلِ الأرض، وعلموا أنَّه صدَّقَ المسيح ونزَّهه عمَّا افترته عليه اليهود وما غَلَتْ فيه النصاري، فهو الذي شهد له بالحقِّ.
ولهذا لمَّا سمع النَّجاشيُّ من الصحابة ما شهد به محمد - صلى الله عليه وسلم - للمسيح قال لهم: ما زاد عيسي علي ما قلتُم هذا العودَ. وجعل الله أمةَ محمدٍ - صلي الله عليه وسلم - شُهَدَاءَ علي النَّاسِ، شهدوا عليهم بما علموا من الحقِّ، إذْ كانوا وَسَطًا عدولًا، لا يشهدون بباطلٍ، فإن الشاهد لا يكون إلا عدلًا، بخلاف مَنْ جارَ في شهادتِه فزادَ علي الحقِّ، أو نَقَصَ منه، كشهادة اليهود للنصاري في المسيح.
وأيضًا: فإنَّ معني "الفارقليط" إنْ كان هو الحامد أو الحمَّاد، أو المحمود، أو الحمد (¬١) ، فهذا الوصفُ ظاهرٌ في محمد - صلى الله عليه وسلم -، فإنه وأمَّتَهُ الحمَّادون الذين يَحْمَدُون الله علي كلِّ حالٍ، وهو صاحبُ لواءِ الحَمْد، والحمدُ مفتاح خطبتِه ومفتاحُ صلاتِه، ولمَّا كان حمَّادًا سُمِّي بمثل وَصْفِه، فهو محمَّد -وزن مكرَّم ومعظَّم ومقدَّس- وهو الذي يُحْمَدُ أكثرَ ممَّا يحمد غيره ويستحقُّ ذلك، فلمَّا كان حَمَّادًا لله كان محمدًا. وفي شعر حَسَّان:
أَغَرُّ عليه للنُّبوَّةِ خَاتَمٌ ... مِنَ اللهِ مَيْمُونٌ يَلُوحُ ويَشْهَدُ
---------------
(¬١) في "غ": "محمد".