كتاب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

ومَنْ تأمَّل سيرة النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - تبيَّن له أنه لم يُكْرِهْ أحدًا على دينه قط، وأنه إنما قاتل من قاتله. وأما من هَادَنَهُ: فلم يُقاتِلْه مادام مقيمًا على هدنته لم ينقض عهده، بل أمره الله تعالى أن يَفيَ لهم بعهدهم (¬١) ما استقاموا له، كما قال تعالى: {فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ} [التوبة: ٧].
ولما قَدِمَ المدينةَ صالح اليهودَ، وأقرَّهم على دينهم، فلما حاربوه ونقضوا عهده وبدؤوه بالقتال قاتلهم؛ فمنَّ على بعضهم، وأجلى بعضَهم، وقتل بعضهم (¬٢) .
وكذلك لما هادن قريشًا عشر سنين لم يبدأهم بقتالٍ حتى بدؤوا هم بقتاله ونقضوا عهده، فعند ذلك غزاهم في ديارهم (¬٣) . وكانوا هم يغزونه قبل ذلك، كما قصدوه يوم أُحُدٍ، ويوم الخَنْدَقِ، ويوم بَدْرٍ أيضًا، هم جاؤوا لقتاله، ولو انصرفوا عنه لم يقاتلهم.
والمقصود: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يُكْرِهْ أحدًا على الدخول في دينه البتة، وإنما دخل الناسُ في دينه اختيارًا وطوعًا؛ فأكثر أهل الأرض دخلوا في دعوته لما تبيَّنَ لهم الهدى وأنَّه رسولُ الله حقًّا.
فهؤلاء أهل اليمن، كانوا على دين اليهوديَّة أو أكثرهم، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمعاذٍ لمَّا بعثه إلى اليمن: "إنك ستأتي قومًا أهل كتاب فليكنْ
---------------
(¬١) في "غ": "بعدهم".
(¬٢) انظر الروايات في: "صحيح البخاري": (٦/ ٣٢٩)، "صحيح مسلم" (٣/ ١٣٨٧ - ١٣٨٨)، "أنساب الأشراف" للبلاذري: (١/ ٢٨٦).
(¬٣) انظر: "صحيح البخاري": (٥/ ٣١٢) و (٣٢٩ - ٣٣٣)، "صحيح مسلم": (٣/ ١٤٠٩ - ١٤١٣)، "مسند الإمام أحمد": (٤/ ٣٢٢ - ٣٢٦).

الصفحة 30