كتاب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى - ط عطاءات العلم (اسم الجزء: 1)

بالدخول في الإسلام فلم يُطَاوِعْهُ قومُه، وخافَهمْ (¬١) على نفسه فاختار الكفر على الإسلام بعد ما تبيَّن له الهدى، كما سيأتي ذكر قصته إن شاء الله تعالى (¬٢) .
ومِنْ أعظم هذه الأسباب: الحَسَدُ؛ فإنه داءٌ كامنٌ في النَّفْسِ، ويرى الحاسدُ المحسودَ قد فُضِّل عليه، وأُوْتِيَ ما لم يُؤْتَ نظيرُهُ فلا يَدَعُهُ الحَسَدُ أن ينقاد له ويكونَ من أتباعه.
وهل مَنَعَ إبليسَ من السجود لآدم إلا الحَسَدُ؟! فإنَّه لما رآه قد فُضِّل عليه ورُفِعَ فوقه غَصَّ بريقه واختار الكفر على الإيمان بعد أن كان بين الملائكة.
وهذا الدَّاء هو الذي منع اليهودَ من الإيمان بعيسى ابن مريم، وقد علموا عِلْمًا لا شَكَّ فيه أنَّه رسولُ الله جاء بالبيِّنات والهدى؛ فحَمَلَهُمُ الحَسَدُ على أنِ اختارُوا الكُفْرَ على الإيمان، وأطبقُوا عليه، وهُمْ أمةٌ فيهم الأحبارُ والعلماء والزهَّاد والقُضَاة والملوك والأُمراء.
هذا؛ وقد جاء المسيح بحكم التوراة ولم يأت بشريعةٍ (¬٣) تخالفها، ولم يُقاتِلْهُمْ، وإنما أتى بتحليل بعض ما حُرِّمَ (¬٤) عليهم تخفيفًا ورحمةً وإحسانًا، وجاء مكمِّلًا لشريعةِ التوراة، ومع هذا فاختاروا كلُّهم الكفرَ على الإيمان.
---------------
(¬١) في "غ": "خالفهم".
(¬٢) انظر فيما سيأتي ص (٧٦) وما بعدها.
(¬٣) في "ج": "بشرعة".
(¬٤) في "ج": "ما حرم الله .. ".

الصفحة 40